قد يرى البعض أن هذا العنوان مبالغ فيه الى حد ما؛ لأن نعت المدينة بالمنكوبة لا يكون الا في حال تعرضت لهجمات إرهابية خطيرة، او كانت مسرحا لحرب طاحنة، او أصابتها كارثة طبيعية مدمرة، الا اننا لم نسمع يوما ان منطقة في بغداد تعرضت لتلك الاحدث!! فما الذي حصل حتى استحقت تلك المنطقة ان تنعت بالمنكوبة؟
وهو تساؤل منطقي بكل تأكيد؛ لان نتيجة الحروب والأعمال الإرهابية والكوارث الطبيعية لا تخلف إلا الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين والأرامل، وعشرات الآلاف من الأيتام والفقراء والمعدمين.
نعم ان منطقة المعامل الواقعة جنوب شرق بغداد أصابها ما أصابها من الدمار، لكن ليس بسبب الحروب ولا الارهاب اوالكوارث الطبيعية!!
بل أصابها كل ذلك بسبب الاهمال وتراكم العجز فيها، وتقاعس او تقصير المتصدين والمسؤولين من أبنائها عن المطالبة بحقوقهم وحقوق أهلهم.
هذه المنطقة يسكنها اكثر من مليون مواطن، غالبيتهم من الطبقة الفقيرة، وعلى الرغم من ذلك نجد انها قدمت للبلد مالم تقدمه الكثير من المدن الاخرى؛ فقد قدمت مئات الشهداء والجرحى، والآلاف من المقاتلين في جبهات القتال ضد عصابات داعش الإرهابية، والمئات من قوافل الدعم اللوجستي للمقاتلين.
هذه المنطقة تسكنها عشائر عربية أصيلة أثبتت فاعليتها وقدرتها على التأثير في الوسط الاجتماعي، ويسكنها الكثير من المثقفين وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والإعلاميين والمدرسين والمعلمين والقضاة والمحامين والضباط، وغيرهم من ذوي الاختصاصات العلمية والإنسانية.
ويسكنها ايضا الكثير الكثير من الأيتام والأرامل والفقراء و المعوزين والمعدمين والفاقدين لابسط حقوقهم كمواطنين منتمين لبلد يوصف بأنه يطفو على بحيرة من البترول!!
اهالي هذه المنطقة خرجوا بتظاهرة غاضبة يوم أمس ١٠/٢٨ ليس للمطالبة بالخدمات العامة، ولا بتأهيل مدارس أبنائهم البائسة، ولا لتوفير مياه الشرب الذي كان ولا يزال المشكلة العصية.
بل خرجوا للمطالبة بعدم رمي نفايات إحياء بغداد الكثيرة والكبيرة في مناطقهم التي أصبحت موقعا لطمر النفايات وحرقها وانبعاث السموم منها، والتي خلفت الالاف من الحالات المرضية المستعصية.
طالبوا بذلك في وقت صدرت فيه تقارير دولية تؤكد على ان خسائر العالم من التلوث البيئي تفوق خسائر الحروب بكل أشكالها!!
الغريب في الأمر أن المسؤولين في المنطقة لم يشاركوا في تلك التظاهرة في وقت كان الاولى بهم ان يكونوا في مقدمة المتظاهرين للمطالبة بمنع تلك السموم عن الفتك بابناء منطقتهم المنكوبة.
تعاني منطقة المعامل من هذه الكارثة البيئية منذ عقود دون أن يكون لها حل يذكر، حاول بعض الخيرين مراجعة الجهات المعنية، والتي وعدتهم بحلها الا ان شيئا لم يتحقق على أرض الواقع!!
ما سمعته من اعضاء اللجنة التنسيقية للتظاهرة انهم مصرون على رفع دعاوى قضائية بحق الجهات ذات العلاقة، ومصرون ايضا على مخاطبة المنظمات الدولية التي يأملون ان تساعدهم في الخلاص من هذه الكارثة التي كانت ولا زالت تفتك بهم وبأبنائهم.
نأمل من المسؤولين سواء في محافظة بغداد او امانة بغداد او وزارة الصحة او القوات الأمنية الماسكة للارض ان يستجيبوا لنداء هؤلاء المواطنين ويتخذون الاجراءات الكفيلة بانهاء معاناة منطقة المعامل من تلك الآفة الخطيرة.