كثيرة هي الأسئلة التي تتناول دور المرأة بعد 2003, وهل استطاعت أن تحقق لنفسها المجال الفاعل في عالم السياسة والفعل الاجتماعي او الفكري وفي مناحي العمل؟… وكثيرة هي الرؤى التي حاولت أن تجيب عن هذه التسؤلات وفق مرتكزاتها العقائدية وانتماءاتها الفكرية والسياسية ومواقعها الاجتماعية المتأثرة بتراكمات ثقافاتها الريفية والفقهية والبدوية.
وقبل الخوض في أهم المعوقات التي حرمت المرأة إنجازاتها في المراحل الاخيرة، لابد من تسليط الضوء على تأريخ الفعل النسوي الذي شهد حالات ارتقاء كما في الناشطة في حقوق المرأة الدكتورة نزيهة الدليمي عام 1958, والتي تسلمت في وقتها وزارة البلديات.
لقد تميزت الدليمي بحسها الوطني التقدمي وترأسها رابطة المرأة العراقية التي فاق عدد اعضائها 40 الفا من نساء العراق في خمسينيات القرن الماضي، وكانت عضوا في الاتحاد النسائي العالمي الديمقراطي، وكان لها فضل الدفع بتشريع قانون الأحوال الشخصية ذي الرقم 188لسنة 1959, والذي ضمن حقوق المرأة العراقية, وعد من أرقى قوانين الأحوال الشخصية في الشرق الاوسط وأكثرها تقدما.
في حين، كانت زكية اسماعيل أول امرأة تدخل سلك القضاء في العراق والمنطقة العربية، عام 1959، حيث كانت عضوا في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ناضلت من خلاله لأجل قضايا الشعب الكردي وحقوقه, حتى وصلت مواقع قيادية بارزة في الحزب والحركة التحررية الكردية, وترأست اتحاد نساء كردستان وهو أول تنظيم نسوي في العراق.
نرى اليوم أن المرأة لا زالت في خطواتها الأولى للدخول في الميادين آنفة الذكر، وسط صعوبات تفرزها الكثير من المعوقات السياسية والاجتماعية والدينية التقليدية، من حيث ابتعاد المرأة عن التعليم وشيوع الأمية في صفوفها، ما شكل نكوصاً في الثقافة الاجتماعية العامة، وابتعادا عن سوح العمل التي تمنح للمرأة شخصية الفاعل المقتدر والمعتمد على تلبية حاجاتها الحياتية بجهده وإمكاناته.
وما رافق عملية سقوط النظام من حرب طائفية وحالة الاقتتال الداخلي التي جعلت من المرأة عنصراً مهيناً في المواجهات، تبعاً لقيم الصراع الماضوي بين المتناحرين.. وكما حولت الصراعات الطائفية القوى السياسية الفاعلة الى مراكز للعسكرة والإنفاق العسكري دون الاعتماد على أساليب التحاور السلمي في حل المشاكل ومناقشة الاختلافات, والذي بدوره همش المرأة وأبعدها عن سوح الفعل الاجتماعي والسياسي, ليفعَّل ثقافة التناحرات العقائدية وجعل المجتمع يعيش على ماضيه دون أن يحسب أي حساب لحاضره او مستقبله, ما أبعد الرؤية الحضارية الفاعلة للكثير من عناصر المجتمع.
ما زاد في تهميش وإقصاء المرأة وعزز التعامل معها كعورة وناقصة عقل، هو التعامل الاجتماعي وفق منظور عشائري وقبلي اعتمد على ما سحقته المجتمعات في تطورها من قوانين وأنظمة تعود الى مراحل الرعي السحيقة من تأريخ الانسان على الأرض.
إن الأزمات الاقتصادية المربكة التي يمر بها المجتمع العراقي والناتجة عن سوء التخطيط وفساد الأحزاب الحاكمة, له من العلل ما جعل المرأة تعود الى مربع الخطوة الأولى والتي هي الأصعب في إنجاز مهامها الاجتماعية والسياسية.
تلك الخطوة التي نعتقد بضرورة إنجاحها وفق رؤية حضارية وروح مليئة بالأمل في تتابع حثيث لبقية خطوات النجاح التي تضع المرأة في المكان الصحيح والمساهم الفعلي في بناء مجتمع يعتمد التطور وفق الارتقاء التقني والثقافي والتعليمي الذي تنشده الثورة الشبابية التشرينية والتي تشكل أمل الجميع.
يبقى أن نقول إن منح الـ”كوتا” للنساء في البرلمان العراقي لا يمثل إنصافا للمرأة أو منحها دورا رياديا في ميادين العمل الاجتماعي والسياسي, وذلك لأنها (الكوتا) تحولت الى أداة لتنفيذ الأجندات السياسية والحزبية، حتى أصبحت المرأة تعمل لكسب تأييد الأحزاب السياسية بدلا من المجتمع, وهو ما أضعف دورها الحقيقي وغيّب أثرها المجتمعي.
سيبقى الأمل معقوداً على ثورة الشباب التي الهمها تواجد المرأة قوةً وصموداً وتحدياً وجرأة لكسر حواجز الخوف والانطلاق، مجدداً نحو مساهمات العمل والبناء.