اختتمت بنجاح ساحق، عمليات تحشيد الموظفين والعسكريين والطلاب و”المثقفين” و”اساتذة الجامعات” وحتى ساكني المخيمات، في الملاعب والساحات وعلى طريقة انظمة أوربا الشرقية الزائلة، لتأكيد قوة الأحزاب “القائدة”، وجماهيرتيها الطاغية التي ستكتسح الصناديق اكتساحا في يومي “العرس الديمقراطي الانتخابي”!.
بمثابرة كبيرة وبخطوات رائدة وخطط محكمة وحماسة منقطعة النظير، تتواصل عمليات بيع وشراء الوجوه والأصوات في سوق الارتزاق الحزبي وتحويل الخنادق وباسم “صحوة الضمير وادراك الخادم السياسي الحقيقي للأمة”، والتي تصل تكاليفها الى ملايين الدولارات في الاقليم الذي لا تستطيع أحزابه الحاكمة دفع كامل رواتب موظفيه حتى بعد ان وصل سعر برميل النفط الى 80 دولارا!.
بكل ثقة واعتزاز، شخصيات من الحزبين الرئيسيين في الاقليم، صرفت على دعايتها (بوسترات عملاقة، صور كبيرة وصغيرة، دعايات تلفزيونية واذاعية وتلفونية وعلى مواقع التواصل، وعزايم وولائم واتصالات وزيارات وهدايا وعطايا) مبالغ تتجاوز ما صرفته كل الأحزاب الأخرى مجتمعة.. وطبعا الصرف السخي جاء فقط اعتمادا على رواتبها الخاصة كون السياسي الذي يشغل مواقع حاكمة ممنوع في الاقليم من ممارسة التجارة!.
مع انتهاء عمليات التحشييد الاعلامي، والعمليات اللوجستية لتسويق الشعارات الرنانة وبرمجة قصص البطولات وتقديم العهود والوعود التي يحتاج تطبيق بعضها (في ظل برلمان حقيقي وليس هيكل لديمقراطية مثخنة بالجراح) اكثر من 28 عاما أخرى في ظل ادارة ملائكة وليس بشر، يرى متابعون للمشهد ان لا تعديل في توجهات وخطط وبرامج الأحزاب الرئيسة ولا اعتراف بالاخطاء، وان الأفق يزداد ضيقا والفرص تقل بامكانية النجاة بالاقليم من مصير سيء في ظل الصراعات القائمة والمتوقعة.
يطرح نشطاء كرد سؤالا بارزا، كيف “للمرشحين النخبة” الذين صرفوا مئات الآلاف من الدولارات، ومن جيوبهم الخاصة طبعا وليست من أموال الأمة، كيف لهم استعادة تلك الأموال، أم ان “الانصهار في خدمة الأمة” وصل الى مرحلة غير مسبوقة من الاستعداد للتضحية بكل تلك الأموال من اجل الوصول لسدة البرلمان وخوض معارك العطاء السخي هناك؟!
يثير الغياب شبه الكامل لدعاية الأحزاب المعارضة في دهوك وحتى نسبيا في اربيل والسليمانية أسئلة مقلقة ليس بشأن مبدأ تكافؤ الفرص ولا المناطقية الطاغية في المشهد بل في حال الديمقراطية كممارسة صحية وفي جوهر العمل السياسي الحر. كما يثير غياب الغالبية الساحقة من قيادات الصف الأول للاحزاب في الترشيح والمنافسة على الفوز بمقاعد البرلمان، السؤال عن دقة القول السائد ان “ذلك المقعد لا يناسب حجومهم”.
هكذا ببساطة، المترشحون لانقاذ الشعب المسكين من خيباته، رجالات أفذاذ، تجد بينهم رجل دين يعمل في تنظيم يقر مسؤولوه الكبار والصغار انه يواجه فسادا خطيراً على عدة مستويات، وبينهم اعلامي يعمل في قناة ظلية يعرف القاصي والداني ان أموالها تصرف من أموال الأمة، ومثقف وكاتب يرفع شعارات المدنية والليبرالية ويضرب على اوتار الحقوق والحريات والعدالة والمساواة ويأخذ في آخر الشهر راتبه من مكاتب الأحزاب القومية لقاء صمته او تحريره لبياناتها التقدمية!.
هكذا ببساطة، تجد بين المترشحين لبرلمان المستقبل الواعد من حاملي البرامج الكبرى لانقاذ الأمة من نكباتها، أكاديميين، نشطاء، حقوقيين، موظفين كبار، معلمين للأجيال ووو.. يتزاحمون في الأروقة السياسية والاقتصادية والادارية والتنظيمية للأحزاب النافذة، طالبين رضاها، لكنهم في مجالسهم الخاصة يتناقلون عجائب قصص الاحتكارات والصفقات والمقاولات واللامساواة والخراب السياسي والانساني القائم والآتي… لا بأس فالامتيازات فوق كل الاعتبارات!