صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

المنطق الفرعوني ومعضلة ادارة الدولة

لا يختلف عاقلان على ان العراق يعيش مشاكل متواصلة لدرجة انها أصبحت هاجساً يؤرق الجميع ويثير الكثير من التساؤلات عن اسبابها وتداعياتها، فهل يا تُرى ان تفعيل قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة بهذا المستوى من الصعوبة التي تجعلها اقرب الى المستحيل؟ وهل ان توفير الطاقة الكهربائية ضرب من الخيال لا يمكن تحقيقه على ارض الواقع؟ وهل ان حالة البؤس والحرمان التي تعيشها بعض المناطق العراقية عسيرة الى الحد الذي يجعلها مشكلة لا علاج لها؟ وهل أن تشكيل حكومة وطنية ترعى مصالح البلد وتخدم ابناءه بهذا المستوى من التعقيد؟

هذه التساؤلات وغيرها تدور في اذهان الكثير من العراقيين ولا تجد لها اجابات مقنعة!! وفي ذات الوقت تكشف عن حقيقة جوهرية لا يمكن التغاضي عنها وهي انّ البلد يعيش أزمة قرار على كافة المستويات، او بتعبير أدق ان القرار العراقي أصبح مكبّلاً بقيود الانانية والخوف والخضوع والابتزاز والمصالح الضيقة والتبعية.

قد يكون هذا الكلام جارحا للبعض لكنه في ذات الوقت الحقيقة المرة التي يجب الاعتراف بها كمقدمة جوهرية لتصحيح مسار الدولة، خصوصا انها وصلت الى مرحلة من الوهن لا تنفع معها الحلول الترقيعية.

المنطق الفرعوني (لا اريكم الا ما ارى) يجب ان لا يستمر ويجب على المتصدين للسلطة ان يتنازلوا عن جزء من قناعاتهم وينصتوا الى صوت الشعب الآخذ بالتصاعد والذي لا اظنه سيتوقف الا بارغامهم على تصحيح تلك القناعات.

عندما خرج الشعب في تشرين الأول من العام ٢٠١٩ لم يكن خروجه عبثيا بل كان نتيجة طبيعية لتراكمات الفشل الذي تعيشه الدولة، وبعد ان يأس من انتظار الحلول.

خرج العراقيون لارغام ساسة البلد على التفكير بطريقة مختلفة وكان المؤمّل ان يكون ذلك درسا بليغا للجميع الا ان هدوء الشارع التدريجي اعاد المنطق الفرعوني الى الواجهة مرة اخرى فبدأت عمليات التسويف والمماطلة تظهر بوضوح في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، وافشلت تمرير حكومة السيد محمد توفيق علاوي تحت قبة البرلمان وارغمت السيد عدنان الزرفي على الاعتذار عن التكليف، لياتي الدور الى السيد مصطفى الكاظمي والذي اتفقت الكتل السياسية على اختياره واستمعنا الى خطابات رنانة عن عودة الوحدة الوطنية والاجماع الوطني وما ان بدأ الرجل مشاوراته لتشكيل الحكومة حتى بدا ذات المنطق يظهر من جديد وتظهر معه تخوفات من احتمال العودة الى المربع الاول.

اعتقد ان مشاكل العراق كلها تكمن في هذا المنطق اللعين وما لم يتخلص العراقيون منه فانهم سيبقون في دوامة الفوضى ولا اظنهم يقبلون بذلك على الاطلاق.

فاذا كانت تظاهرات تشرين الاول قد احدثت هزة في النظام السياسي للبلد فان استمرار هذا المنطق يمكن ان يعرضه لعاصفة لا تنفع معها الا اقتلاع الجذور “ولات حين مندم”.

د. خليل الناجي

أقرأ أيضا