صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الولايات المتحدة واسرائيل: رخصة للقتل

منذ السابع من أكتوبر 2023 وإسرائيل تتصرف بانفلات ومن دون أية قيود أو اعتبارات أخلاقية، على اعتبار أنها مهددة بالإبادة، فيما هي تمارس الإبادة الفعلية ضد شعب أعزل وبشكل لم يسبق له مثيل في ظل صمت دولي سقطت فيه كل الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والقانونية خصوصاً المبادئ والقوانين والإنسانية التي اتخذت الطابع الأممي لها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.  

وعادت إسرائيل لتطلق يد جيشها في فلسطين بعد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات بينها وبين حماس، ومع تعثر الجولة الثانية من المفاوضات ودخول المبعوث الأمريكي على خط المفاوضات، حيث قامت بتجديد القصف الذي أدى الى مقتل المئات من المواطنين المدنيين الفلسطينين في غزة، بالإضافة الى إغتيال العديد من قادة حماس خلال الأيام القليلة الماضية، كل ذلك وسط صمت الجميع في هذا الشهر الفضيل وبدافع قد يكون الهدف منه تحسين شروط المفاوض الأمريكي لتحرير الأسرى ومن دون أن يلزمها بتمديد وقف اطلاق النار والحؤول دون قضائها على حماس نهائياً وفق تصورها.

يحدث ذلك في ظل عودة الترويج لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تهجير الفلسطيينن من سكان غزة الى خارج بلادهم، وربما بتواطئ من الأخوة العرب في الدول المجاورة وغير المجاورة وبذلك تصبح الولايات المتحدة ليس شريكاً كاملاً للكيان وانما مايسترو وقائد اوركسترا لمعزوفة التغريبة الفلسطينية الجديدة.

الولايات المتحدة واسرائيل.. تحالف أبدي

تصلح التصريحات العنجهية المتتالية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (الذي أصبح رئيساً بإعجوبة من الله حسب قوله) بعد تسنمه المنصب رسمياً، أن تكون عنواناً رئيساً للمرحلة القادمة على صعيد السياسة والإقتصاد سواءً على مستوى العالم أو على نطاق المنطقة العربية.

تعبر بعض الأفكار التي طرحها الرئيس ترامب(بغض النظر عن إمكانية تحقيقها من عدمه) بشكل واضح عن الشعور بتضخم الذات، هذا الشعور النابع عن فائض القوة الذي وصلت اليه الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ربما سينعكس بشكل كبير على طريقة التعاطي التي ستمارس بها سياساتها ازاء العالم من دون وجود محرمات أو خطوط حمراء، خصوصاً وإنه يحيط نفسه بمجموعة من أساطين تكنلوجيا المعلومات والتقنيات وفي مقدمتهم ايلون ماسك.

هذه التصريحات التي أُطلقت بلهجة آمرة وبصفاقة رجل الكاوبوي الشرير شملت الجميع، الأصدقاء والحلفاء والأعداء والمنافسين، الصين، دول أمريكا اللاتينية، كندا وأوروبا، دول الناتو، وغرينلاند والدنمارك، جنوب أفريقية، المكسيك، بنما، دول عربية، فلسطين وغزة ، ايران، إضافة الى منظمات دولية، انسانية وحقوقية، وانمائية، وشملت شعوباً ناهيك عن حكومات، كاشفة عن ملامح الاتجاه العام لسياساتها  في عصر القوة وعصر فرض الأتاوات، والتي لم تعد تحتاج الى تجميل أو تحسين صورة، كما كان عهدها سابقاً من خلال تبرير تدخلاتها بحجج نشر الديمقراطية أو الدفاع عن حقوق الإنسان. 

يقول الصحفي البريطاني باتريك سيل، أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان المقدمة الأساسية التي تقول أن “ليس من حق أحد أن يمتلك رادعاً لمواجهة عنفهما العادل”. الوقائع التأريخية تؤكد التحالف الاستراتيجي بينهما، فقد كان لأمريكا الدور الأساس في بناء إسرائيل وديمومتها، حيث يعتبر اليهود أن دور الرئيس الأمريكي هاري ترومان كان أهم من دور بن غوريون نفسه في هذا البناء. وهاري ترومان الذي ارتبط العصر الذهبي لأمريكا بإسمه وهو الذي أسس حلف الناتو، كان يقول “أن الله نفسه أوكل لأمريكا قيادة العالم”، ويبدو أن التفويض الإلهي هو الذي دفعه الى إصدار الأوامر بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، ومن ثم أضاف اليهما جريمة أخرى بإلقاء قنبلة ثالثة في منطقة الشرق الأوسط هي دولة اسرائيل التي اتسمت آثارها بطابع الديمومة المتصاعد.

لقد دعمت الولايات المتحدة الكيان الإسرائيلي لأنها أرادت أن تتواجد مباشرة في الشرق الأوسط وأن لايكون تواجدها هذا عبر طرف آخر كبريطانيا، وهي اول دولة اعترفت بهذا الكيان في 14 مايو 1948 وأول من أقامت العلاقات الدبلوماسية معه عام 1949 ليصبح بعد ذلك أهم شريك لها في الشرق الأوسط. 

وإذا كانت إسرائيل قد ولدت في مؤتمر صهيوني، فأن منطق الأمريكان كان يقول ” إذا كان الإنجليز قد أعطوكم وعد بلفور فسنعطيكم نحن الدولة” وهذا ما كان على مدى ثلاثة أرباع القرن من الدعم العسكري والسياسي والإقتصادي والمالي مع إعطاءها الأولوية على بقية الشركاء في المنطقة في مجال التنسيق الأمني.

إن مصالح أمريكا في الشرق الأوسط كانت ومازالت تتمثل في ضمان تدفق البترول العربي ثم ضمان حماية أمن إسرائيل، إضافة الى مصالح أخرى استجدت بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، ومنها التوسع والتمدد الى أماكن أبعد من حدود نفوذها السابق.

منذ ستينات القرن الماضي هُزمت الدول العربية في مواجهة اسرائيل، أربع دول عربية صُنفت على أنها علمانية، ثلاث منها كان مدعوماً بشكل ما من الاتحاد السوفيتي (العراق ومصر وسوريا)، والرابعة كانت تحظى برعاية أمريكية (الأردن)، وضمت إسرائيل الجزء الأكبر من فلسطين التأريخية، إضافة إلى بعض أراضي سوريا ومصر، وهو ما أدى الى تحول في الوجدان القومي العربي بعد الانكسار نتيجة الهزيمة. 

حاولت تنظيمات وحركات قومية فلسطينية وعربية التحول الى الماركسية من أجل تحقيق هدف تحرير فلسطين بعد ان فشلت الانظمة السياسية، واستعانت المنظمات الفلسطينية بحركات ثورية متطرفة من أوروبا واليابان وغيرهما، لكن من دون نتيجة، بالرغم من الدعم الدولي والعربي الذي كنت تتلقاه منظمة التحرير الفلسطينية وحلفاؤها، بل وتفاقم الأمر بأحتلالات اسرائيل المتتالية للبنان رغم التزامه بهدنة 1949 وعدم مشاركته للعرب في حربي الـ76 والـ73، إضافة الى التكلفة البشرية والمادية الباهظة للحرب الأهلية.

وبعد خروج مصر من حلبة الصراع وإبرام اتفاقية كامب ديفيد ومن ثم خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، حاولت الولايات المتحدة أن تبيع الأوهام للفلسطينيين وتجرهم الى مؤتمرات ومفاوضات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي فيما تغض النظر عما فعلته إسرائيل من تمدد وقضم غير محدودين لما تبقى من أرض فلسطين ما بعد 1967، من خلال زرعها بالمستوطنات والكانتونات ومحاصرتها وتقطيع أوصالها بالمعابر.

لكن النكسات لا تستمر، وما يبدو وكأنه هزيمة لقوى مقاومة في وقت معين قد يفاجأنا بالبديل النوعي الخارج من رحمه، فالسياسة كما الطبيعة لا تعرف الفراغ ولن ينتهي الصراع طالما الظلم مازال قائماً. 

يقول پاتريك سيل: لقد كان صعود فاعلين غير تابعين أساساً للدولة، مثل حزب الله وحماس، راجعاً إلى الفراغ الذي ولّده عجز الدول العربية عن احتواء إسرائيل أو ردعها. 

تولّى هؤلاء الفاعلون في الأساس مهمة التصدي للردع الإسرائيلي، الذي يفترض أن إسرائيل بإمكانها أن تضرب ولكن لا أحد يستطيع ضربها. ولقد كان ماكان من انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000 وهزيمتها في عدوان 2006، ثم حدث ماحدث يوم 7 أكتوبر عام 2003 في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

رئيس أم مالك عقارات

وتأتي مواقف الرئيس الأمريكي الأخيرة، رداً على ما حدث في 7 أكتوبر، ولتؤكد العدوانية الممنهجة ازاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وليكشف المسار التصاعدي للدعم السياسي والعسكري للكيان الصهيوني الحليف الأول والثابت لأمريكا.

فخلال حملته الانتخابية وفي حديثه أمام الجالية اليهودية وتحالف “أصوات يهودية من أجل ترامب” إعتبر أن اسرائيل تستحق أن يكون لها مساحة أكبر مماهي عليه متسائلاً عن”هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضي لإسرائيل، لأنها “صغيرة” على الخريطة بالمقارنة مع الدول الأخرى في الشرق الأوسط؟”. وبعد فوزه بالإنتخابات دعا لفكرة “نقل” سكان غزة إلى دول مجاورة، مشيراً إلى مصر والأردن كوجهات محتملة “أكثر أماناً” بعد أن تحولت الى أرض “مهدمة”. ثم عاد ليؤكد إنه “يود أن ينقلهم للعيش في منطقة، حيث يكون بإمكانهم العيش دون اضطرابات وثورة وعنف”، معتبراً أن قطاع غزة كان جحيما لسنوات عديدة وأن هناك دائما عنف مرتبط به”. وبعد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق نار بين اسرائيل وحركة حماس أوعز لوزارة الدفاع (البنتاغون) بإنهاء التعليق الذي فرضته إدارة سلفه جو بايدن على إمدادات القنابل التي تزن ألفي رطل إلى إسرائيل واستئناف تزويدها بهذه القنابل وكأنما هناك خطة مبيتة لإستئناف الحرب على الفلسطينيين ورخصة لقتلهم وإقتلاعهم من أرضهم عن طريق التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ولنكون أمام تغريبة فلسطينية جديدة وتأسيس ثان لإسرئيل كبرى بلا حدود قد لا تشبع رجل الأعمال العنصري الذي لا حدود لتوحشه وشراهته في السيطرة والتحكم بمقدرات الشعوب عبر الإستحواذ واستملاك اراضي شعوب الغير.

الاستثناء الوحيد من كل الدول التي طالتها تصريحات ترامب النارية كانت إسرائيل التي حازت الجائزة الذهبية بوعد ترامب بتوسيع مساحتها (الصغيرة) على حساب الدول المجاورة، بالدعوة الى تهجير الشعب الفلسطيني في غزة وربما الضفة الغربية الى كل من مصر والأردن، مُقدماً بضاعته الفاسدة بغلاف أنيق تحت عبارة تحسين وضعية معيشة شعب غزة.

ينظر ترامب الى الدول باعتبارها عقارات، وهذه النظرة تكشف عن حقيقتين الأولى  تتعلق به شخصياً بتأكيده على عدم الفصل بين كونه رئيساً وبين كونه رأسماليا مالك عقارات في الوقت نفسه. أما الثانية فتتعلق بنظرته الى أن دول العالم لم تعد وحدات سياسية وإنما عقارات قابلة للبيع والشراء والإستثمار.

 ان الولايات المتحدة الآن في مرحلة استثمار الفوز وأصبحت تنظر الى الدول على أنها مجرد عقارات قابلة للبيع والشراء إضافة الى كونها شركات إستثمار تصب ريوعها في بنوك الولايات المتحدة، وهو ما يعبر عن طبيعة جديدة لنظرة الولايات المتحدة الأمريكية الى العالم، بعد أن نجحت في تحويل عدد كبير من الدول الى مجرد بُنى مُركبة لكل منها وظيفة معينة وخادمة ضمن السيستم العام الذي يصب في صالحها كقوة متفردة ومهيمنة منذ انهيار المعسكر الإشتراكي، وبعد حربي العراق وأفغانستان وتغيير وجه المنطقة وادخالها في حروب طائفية وأثنية  قد تكون نهايتها تقسيم دول المنطقة الى كيانات صغيرة بمستوى الكيان الإسرائيلي أو أصغر منه.

وفي ظل وضع دولي مازال قائماً على قطبية واحدة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، ومع غياب بوادر تشكيل قوى منافسة لهذا القطب على المستوى العالمي، والخضوع المخزي لغالبية الدولة الصديقة لأمريكا، خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي ومع غياب تام لإرادة شعوبها، يبدو أن كبح جماح الاندفاعات غير المسيطر عليها للولايات المتحدة واسرائيل غير قابل للتحقق مرحلياً، لكن مكر التأريخ قد يفاجأ الجميع، وتكون المقدمات على خلاف ما نتوقعه من نتائج، كما حدث في 7 اكتوبر 2023.

هل هناك أمل؟ 

سننتظر على أمل أن تتحقق النبؤءة المؤجلة للشاعر المصري الراحل أمل دنقل 

سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً:

يوقد النار شاملةً،

يطلب الثأرَ،

يستولد الحقَّ،

من أَضْلُع المستحيل…

mustfa20002003@yahoo.com

أقرأ أيضا