في الأعوام التي اعقبت سقوط نظام صدام الكسيف، ضرب المرض والموت عددا من المشتغلين في الادب والثقافة.وشاعت يومها نداءات التشكي والتظلم لما يحيط بهؤلاء المرضى او بتلك الجثامين المطلوب نقلها للوطن.والنداءات كانت موجهة صوب النظام الحالي المُرقّع برموزه وبرلمانيه، والدعوات كانت ملحة لانصاف هذا ومساعدة ذاك.
المفارقة ان البعض من المنادين كانوا لايشترون النظام وعموم فعالياته بقمري؛ لكنهم يبحثون عن الشَعرةالأثيرة..بينما النظام كان ينهب بيد ويرسي دعائم هذا المشيّد الان بيد أخرى.
مات من مات وعاش من عاش وتوطنت بعض من تلك الاوبئة والأعراض؛ وهي امتداد وتدوير لما جرى توارثه من النظام السياسي والثقافي والاجتماعي بنسختيه السابقة والراهنة. من تلك الأوبئة استرخاص قيمة المبدع وإمكانية استخدامه لاغراض سياسية ودعائية آنية أو إعلاء منزلته وفق نظام تحدده قبيلة أو جماعة ما ، لحين اكتمال طوره كبدر؛ فإذا حانت اللحظة المعروفة جرى رَكنه جانبا أو استحضار شبيهه أو التهامه، والامثلة كثيرة ومنفّرة وفي كل الحقول.
يومها كانت تسممنا تلك الرسائل ونحن نتذكر كل ذلك (..) حول فرادنية صوت المثقف، واهمية استقلاله، ومعنى ترفعه وضرورة وقوفه بقامة أعلى من الاحتياج والتطلب ومن السلطة ذاتها ، والموت حتى.
واليوم أو في أي يوم عندما يدير شاعر أو فنان .. وجهه الى الجهة الاخرى، معتلا او راغبا بمصيره، لا أدري لماذا يخوض البعض بخاص وعام هذا الكائن قبل وقوع الواقعة.لِمَ هذا الاصرار على مصاحبته او التطفل عليه وعلى خطوته التي ربما كانت الاخيرة باتجاه الصَوبْ الاخر.
امهلوه ماتبقى من وقت كي ينتهي من حواره.. وسيتسع المجال تاليا للرثاء وللمديح والغزل والحكمة والوقوف على الاطلال والذم والتكسب..
امهلوه قليلا.
ولأن الأمور لا تمضي بسوية عندنا فسأعيد قول العبارة السابقة:
كلا، لاتمهلوه؛ بل (خُذُوه) ، فهو لم يبق ولم يَذر. لقد تدخل في الصغيرة والكبيرة، في العام والخاص، ولم يتوان عن الخوض في شؤون الدين والجنس والسياسة والاخلاق وتورايخ التجربة؛ فما الذي يجعله بمنأى عما تستطيعون فعله؟ ربما كان الفرق بينكم هو انه على بساط المرض والموت ربما، بينما انتم على فراش القرار والعافية؛ فرصة للشماته. اجعلوه مادة ودرسا وعِظة وعضّة لكل من تسوّل له نفسه الخروج عن الجادة وعلى الجائِر.
لاتمهلوه..