رغم تعرض بغداد إلى عشرات العمليات الارهابية في السنين الأخيرة، لكن التفجير الأخير الذي أدى إلى سقوط عشرات الأبرياء، بين شهيد وجريح، يختلف كثيرا، عن كل التفجيرات التي شهدتها العاصمة. هذا التفجير، حدث في وقت، استتب الأمن فيه، وازدادت شعلة الأمل في النفوس، بانتهاء حقبة التفجيرات والإرهاب.
لكن الأكثر فداحة فيه وأعني التفجير، هو ردود الأفعال التي حصلت بعده، على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تؤكد وجود شرخ عميق في البنية الذهنية للفرد العراقي، ووجود مشكلة كبرى، ستؤدي بالمجتمع إلى مزيد من الانقسام والتشظي، والسبب هو “تطييف الحدث” بمعنى أن كل حدث يحدث، لابد من صبغه بصبغة طائفية، فتدخل الطائفة كفاعل ومحرّك للحدث، فيتم الحديث عن طائفة الفاعل، ومظلومية الطائفة، وخسّة الطائفة الأخرى، فيتم تناسي الحدث الأساس، وتضيع بالتالي معالم الحقيقة.
ما حصل من تداعيات بعد التفجير الأخير، لا يقل بشاعة وفداحة عن التفجير نفسه، ذلك أن منظر الأشلاء والجثث تملأ الشارع، ومشاهد البكاء والنحيب، ووالد الشهيدين” علي وعمر” وووو.. كلها لم تكن كافية لتغليب انسانية الانسان على البهيمية التي يعاني منها البعض، فمجرد سماع خبر التفجير، هبّت مواقع وصفحات ممولة للادعاء بأن منفذ التفجير سعودي ونشرت صورته وأوصافه، ولم تشفع منشورات المواقع التي تعنى بتكذيب الاشاعات للقول بأن صاحب الصورة نفّذ عملية انتحارية قبل 5 سنوات داخل السعودية، بل عمد البعض إلى البحث عن مقاطع قديمة ليثبت أن الانتحاريين ينتمون إلى السعودية، ولم تفت المناسبة بعض الطائفيين المحسوبين ظلما وزورا على الثقافة من الجهر بأن التفجير هو جزء من مسلسل استهداف طائفته، وأن أغلب من استشهد ينتمي إلى طائفته المظلومة والكثير من الكلام الذي يقطر طائفية وعنصرية.. وحين أعلن مسؤول عسكري بأن الانتحاريين عراقيون من مدينة الموصل، سارع محافظ نينوى إلى نفي انتماء الانتحاريين إلى مدينته ورجّح أن يكونوا من السعودية فعلا!.
ولولا تصوير أحد الأشخاص بهاتفه النقّال لما تعرّف الناس على أحدث التفجير، فلا كاميرات مراقبة، ولا جهد استخباري ولا أي دور للحكومة أو أجهزتها الأمنية في حماية الناس، فلو كانت هنالك جهود حقيقية، لما تم رمي الاتهامات بحق هذا وذاك، فلو كانت هنالك كاميرات مراقبة، وجهود حقيقية، لتم الكشف عن هوية الانتحاريين وعرض الأدلة على وسائل الاعلام لكشف هوية الانتحاريين وإلى أية جهة ينتمون!.
ولكن: هل اكتشاف هوية من قتل نفسه ليقتل معه أبرياء لا ذنب لهم، سوى أنهم كانوا في المكان الخطأ، وسيلة لمنع تكرار الانفجار؟ أم لاتهام جهات أو طائفة ودفع الاتهام عن جهات أخرى؟ الحكومة ورئيس وزرائها، كان رد فعله هو إقالة شخصيات وقيادات أمنية، سرعان ما تبين أن تلك الشخصيات مسنودة من أحزاب وكتل سياسية نافذة، مما جعله يتراجع عن بعض قراراته، التي لا قيمة لها أمام دماء الشهداء وعودة هاجس الخوف وانعدام الأمن مجددا لدى البغداديين.