حول الاتفاقية الهشة لوقف إطلاق النار في لبنان: جميع الأطراف تؤكد أن هذا الاتفاق مؤقت ولن يدوم طويلاً وقد ينتهي خلال أيام ويستأنف جيش الكيان عدوانه. أهم الأطراف الرافضة للاتفاق وأعلاها صوتاً الآن هم ممثلو التيار الصهيوديني بقيادة سموترش وبن غفير وجمهور المستوطنين الصهاينة إضافة إلى المتصهينين العرب وخائبي المسعى والحالمين بالقضاء على المقاومة اللبنانية وتجريد الحزب من السلاح، شراذم مختلفة من متصهينين قدماء وجدد وأتباع جعجع وأصدقاء السفارة الأميركية ببيروت! طبيعة هؤلاء الرافضين للاتفاق وقف إطلاق النار الهش تؤكد بالملموس خيبة الكيان الصهيوني وفشله في تحقيق أهدافه وصلابة المقاومة رغم الضربات المؤلمة التي تلقتها والتي كانت كفيلة بتدمير دولة ولكن المقاومة عبرت بحر الدماء برباطة جأش وتماسكت في الميدان واجترحت عجائب حربية لا تُضاهى ولا سابقة لها!
إذن، الحرب العدوانية على الشعب اللبناني ومقاومته لم تنته تماما، وكل المؤشرات تقول إن مرحلة منها انتهت وقد تبدأ المرحلة الثانية في أي وقت والأرجح بعد استلام المتطرفين في إدارة ترامب الحكم، ولكن العدو فشل في تحقيق أهدافه هو أمام خيارين الآن فإما يتم لجمه وينصاع لتنفيذ بنود الاتفاق وخاصة البند الخاص بعد القيام بأي “عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك من البر والجو والبحر”، والاستعداد للانسحاب حتى من مزارع شبعا أو أن يعود إلى العدوان العسكري ويحاول التقدم مجددا في الجنوب فيتكبد جيشه المنهك والمتضعضع مزيداً الخسائر أمام مقاومة أسطورية ذات استعداد هائل للتضحية والقتال الاستشهادي!
حين يعتبر 61 بالمئة من المستوطنين في الكيان أن دولتهم لم تنتصر في الحرب، وحين تتفق غالبية الساسة والباحثين والخبراء الصهاينة على أن قرار وقف إطلاق النار هزيمة وكارثة وإضاعة لفرصة الانتصار وأن الخطر ما يزال قائما شمالا وحين يعلن غالبية المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة أنهم لم يعودوا الى مستوطناتهم حتى لو تم وقف إطلاق النار إذا لم يبقى جيشهم في منطقة حدودية أمنية فإن من العبث وسوء النية أن يكرر البعض في الإعلام العربي أن المقاومة اللبنانية قد هُزمت وأن الكيان قد انتصر!
*الانتصار من دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية المعلنة كالقضاء على المقاومة والحزب ونزع سلاحها وفرض واقع سياسي جديد داخل لبنان لمصلحة أنصار التطبيع الجعجعيين لا معنى له.
*التدمير المادي وهدم القرى والمدن واغتيالات القيادات المقاومة وقتل آلاف المدنيين وارتكاب المجازر لا يعني انتصارا بل جرائم.
*أما ما سُمي فصل الجبهات وإنهاء حرب إسناد غزة فلا يمكن اعتباره انتصارا لإسرائيل خصوصا وأن نتنياهو طالب في مرحلة من مراحل الحرب بعدم فصل الجبهات وحاول الحصول من غزة على إطلاق سراح الأسرى بالضغط على جنوب لبنان أي أنه هو من رفع هذا الشعار لفترة ثم تراجع عنه لاستحالة تطبيقه. إنَّ حرب إسناد غزة كانت مرحلة مستقلة انتهت مع بدء حرب الاجتثاث الشاملة على لبنان، وبدايةً مع اغتيال قيادات المقاومة وفي مقدمتها السيد الشهيد القائد قبل أكثر من خمسين يوما. لقد انتهت مرحلة حرب الإسناد وبدأت مرحلة حرب التصدي والصمود لإفشال العدوان الاستئصالي، وكانت حربا كبرى ودموية، ومَن يريد أن يربط بين المرحلتين ويطالب باستمرار حرب الإسناد فهو كمن يعتقد بأن المقاومة قادرة الآن على تدمير الكيان وإزالة قوته العسكرية تماما وهذا أمر غير معقول في الوقت الحاضر على الأقل.
*لقد قامت المقاومة اللبنانية بواجبها الأخلاقي والسياسي والاستراتيجي كاملا ومن دون نقصان وبفخر الأحرار في إسناد غزة بالنار الدماء والأرواح والوقوف ضد حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني ودفعت ثمنا غاليا فنالت المجد وألحقت بالعدو خسائر معتبرة ونجت من العار الذي سيبقى يلطخ جباه ووجوه الأنظمة والقوى العربية والإسلامية المتفرجة على المذبحة المتواطئة مع العدو. وأخيرا، فالمقاومة التي قدمت كل ما قدمت قادرة بكل تأكيد على أن تجترح مستقبلا الوسائل والأساليب المناسبة لإدامة التضامن مع شعب غزة في المرحلة الجديدة.