انتفاضة تشرين.. عِبَرْ وتحديات

من بين أبرز الحراكات الشعبية التي شهدتها المنطقة بعد انتفاضات الربيع العربي، كانت انتفاضة تشرين “العراقية” التي ترقى في أحداثها الى مستوى الثورة التي غيرت الكثير من المفاهيم الوطنية بعد سقوط النظام السابق والتي غالبا ما كانت تلك المفاهيم ملتصقة التصاقا وثيقا بالدين والتوجهات الدينية بمختلف اتجاهاتها، السنية والشيعية.

 أكتوبر 2019 لم يكن ذلك الشهر الطبيعي، ولم تكن أيامه نفس الايام التي تمر على العراقيين، لقد كانت تلك الانتفاضة نقطة تحول بارزة في المشهد السياسي والاجتماعي العراقي، لا سيما وأنها بدأت بتظاهرات شعبية سلمية شارك فيها عشرات الآلاف الشباب بدءا من ساحة التحرير في بغداد لتتمدد خلال أيام، وتشمل معظم الساحات في باقي المحافظات، والتي تحولت الى ساحات تحرير فكري وإنساني يهدف للخروج من القوقعة التي صنعها الساسة عبر سياسة المحاصصة المقيتة التي دمرت البلد وأغرقته في مستنقع الفساد الآسن لتكون الثورة في الوقت عينه احتجاجًا على الفساد الحكومي المستشري نتيجة المحاصصة من جهة وما تبعه من تردي الخدمات العامة، وتزايد البطالة، بالإضافة إلى نبذ النفوذ الكبير والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للعراق وبخاصة نفوذ إيران وفرض أجندتها المقيتة من جهة أخرى.

أسباب الثورة

لقد جاءت هذه الثورة العفوية نتيجة لتراكم الفساد الحكومي الذي خلف المزيد من الإحباط الشعبي بسبب سيطرة الأحزاب وانتشار السلاح المنفلت الذي أدى الى تصدر شخصيات غير كفوءة لإدارة الملف السياسي وصعود حكومات ضعيفة تحركها جهات محلية تأتمر بأوامر دول أخرى وتنفذ اجنداتها منذ عام 2003. 

لقد كان معظم العراقيين يحلمون بسقوط نظام صدام حسين الذي تسبب على مدى ثلاثة عقود بكوارث أعادت العراق الى ما قبل الثورة الصناعية نتيجة للحروب العبثية وما تبعها من حصار اتى على الاخضر واليابس لكنهم فوجئوا بأنظمة واحزاب وتيارات أكثر سوءا من حقبة صدام حسين ادت الى تفاقم الوضع وانتشار الفساد وظهور فكرة المحاصصة الطائفية والقومية ولم تكن المطالب الرئيسية للثوار قلب النظام السياسي انما كانت مطالبا بسيطة تتلخص في إنهاء الفساد وتوفير فرص عمل للشباب وتحقيق إصلاحات في النظام السياسي لبناء عراق جديد خالي من الفساد خصوصا وان العراق ليس بالبلد العادي سواء على المجال التأريخي الذي يمتد تاريخه لآلاف السنين أم الجغرافي المهم الذي يربط الشرق بالغرب أو الاقتصادي لما يمتلكه من ثروات طبيعية وموارد بشرية رفيعة المستوى.

العنف ضد المتظاهرين

رغم الطابع السلمي لثورة تشرين، إلا أن القوات الأمنية واجهت الثوار بعنف شديد وقوة مفرطة لا تتناسب مع سلمية الثورة مما أدى إلى استشهاد المئات وإصابة الآلاف منهم دون ان يفكر القاتل الآثم بجنس وعمر الثوار فشمل القتل شابات وشباب بعمر الزهور كان كل حلمهم بناء وطن دمره الفاسدون فكان شعارهم الأنبل والأجمل “نريد وطن” تعبيرا عن شعورهم بالوطنية التي دفعتهم للوقوف بوجه الرصاص غير عابئين بالموت لتخط دمائهم خارطة وطن جديد.

لقد زاد هذا التصعيد من غضب الشارع وأدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات ليشمل معظم مدن العراق وأقضيته ونواحيه وأصر الثائرون على استمرارهم بالصمود والوقوف بوجه الموت حتى تلبية مطالبهم.

لم تعط الحكومة آنذاك آذانا صاغية لتلك المطالب بل أوغلت في استخدام العنف وسقط على إثر ذلك المزيد من الشهداء ولم تكتفِ بذلك بل اثبتت الوقائع بأنها استعانت بقتلة مأجورين لقنص الثوار دون رحمة ناهيك عن استخدامها شتى الوسائل لتفريق الثوار منها حرق خيم الثوار بمن فيها وهدم الاماكن التي احتموا بها واختطاف وتغييب المئات منهم وقطع الإنترنت لمنع التواصل فيما بينهم وحجب المعلومات عن العالم الخارجي إلا أن كل تلك الممارسات القذرة لم تمنع انتشار أخبار الثورة عبر وسائل الإعلام الدولية، مما جعل القضية العراقية في صدارة الاهتمام العالمي.

نتائج وتداعيات «تشرين»

أسفرت انتفاضة تشرين عن عدد من النتائج السياسية الهامة، أبرزها إجبار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة في نهاية عام 2019، ورغم هذه الاستقالة، إلا أن التوترات لم تنتهِ، حيث طالب الثوار بإجراء تغييرات أوسع تشمل تعديل الدستور وإصلاح النظام الانتخابي، في الوقت نفسه، تمكنت الثورة من توحيد شرائح واسعة من الشعب العراقي من مختلف الطوائف والمناطق، ما أظهر رفضًا شعبيًا للمحاصصة الطائفية التي ظلت سائدة في العراق لسنوات كما أثارت الثورة تساؤلات حول مستقبل النفوذ الإقليمي في العراق، خاصة مع تزايد المعارضة الشعبية للتدخل الإيراني.

التحديات المستمرة وآمال التغيير

رغم مرور خمس سنوات على اندلاع ثورة تشرين الا انه لا تزال هناك تحديات سياسية واقتصادية ، وان المطالب بإصلاح النظام السياسي والاقتصادي لم تتحقق بشكل كامل كما أن استمرار الفساد وضعف البنية التحتية وقلة فرص العمل تجعل من الصعب تهدئة الشارع العراقي بشكل دائم.

وبرغم هذه التحديات، يبقى هناك أمل كبير لدى الشباب العراقي، الذين يمثلون الجزء الأكبر من المتظاهرين، في إحداث تغيير جذري قريب.

ماذا بعد انتفاضة تشرين؟

طالب المحتجون حكومة الكاظمي التي تشكلت بعد سقوط حكومة عبد المهدي بمحاسبة قتلة رفاقهم الذين سقطوا نتيجة العنف المفرط واستخدام اسلحة لا تتناسب مع ماقام به المتظاهرون لا سيما وإنهم لم يستخدموا اي سلاح ضد القوات الامنية ولم يحرقوا او ينهبوا او يدمروا او يعتدوا ولو مجرد اعتداء بسيط على اي فرد من افراد قوات الامن بمختلف انواعها فكان الحراك سلميا بامتياز ومع أن حكومة الكاظمي وعدت ببذل اقصى الجهود في ملاحقة وسَوْقْ القتلة والمتورطين باعمال العنف للقضاء لينالوا جزائهم العادل الا انها لم تفِ بوعدها هذا ولا بباقي الوعود التي قطعتها على نفسها كتوفير الخدمات الاساسية (الكهرباء والمياه الصالحة للشرب) وتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد المنتشر وتحجيم الفصائل المسلحة ووضع قوانين رادعة والتي فشلت فشلا ذريعا بتحقيق أدناها مما زاد الهوة بينها وبين غالبية الشعب المتضرر بسبب الفساد الذي ازداد قوة وتمددا ليشمل كل قطاعات الدولة دون استثناء وبقاء الفاسدين في مناصبهم وعدم مسائلة أي شخص كان له دور في قمع الثوار.

حكومة السوداني

لم تكن حكومة السوداني -بالرغم من مرور سنتين على وجودها- أفضل من سابقتها في التعامل مع ملف تشرين وخصوصا ملاحقة ومحاسبة المتورطين بقتل وقمع المتظاهرين بل تم تمييع الموضوع كليا حتى لفه النسيان ولم تكن دماء من سقطوا بين شهيد وجريح ومعاق لها قيمة في نظر هذه الحكومة ولم تحقق أي نتائج على مستوى الخدمات ولم يكن برنامجها الحكومي سوى ورقة مستنسخة يردده كل رئيس وزراء كالببغاء دون ان يطبق منه فقرة واحدة فبقي حال البلد كما هو وبقيت معاناة الناس قائمة ليومنا هذا بسبب سوء الخدمات وزيادة معدلات البطالة وقمع الاصوات بشتى الوسائل وبقي الفاسد في منصبه ومازال مستوى الفساد في تصاعد مستمر ومازالت الحكومة عاجزة عن محاسبة الفاسدين وخير دليل على ذلك عجزها عن مقاضاة المدعو “نور زهير” بطل ما سمته بسرقة العصر والذي ظهر في لقاء تلفزيوني يتحدث بكل استرخاء متوعدا بفضح من كان يرشوهم من المسؤولين وكأنه صاحب الحق وليس لص محترف وسارق للمال العام؟!

ستبقى انتفاضة تشرين نورا يضيء قبور شهدائها الغيارى ووسام شرف على صدور كل من خرج رافضا للظلم والحيف مطالبا بحقوقه المشروعة والمجد والخلود لشهداء وشهيدات ثورة تشرين ولكل ابطالها الذين وقفوا بصدور عارية وبكل شجاعة وبسالة امام الاسلحة الفتاكة والعار لكل من ساهم في قمع الشرفاء وسوف يظهر الحق عاجلا أم آجلا وسيأتي اليوم الذي سوف تسقط رؤوس الفاسدين العفنة وهو ليس ببعيد.. فما ضاع حق وراءه مطالب.

أقرأ أيضا