يمتلك العراق لغاية منتصف عام 2022 أكثر من 130 طناً من احتياطي الذهب، ليحل بالمرتبة الثلاثين عالمياً والرابعة عربياً من حيث مجموع احتياطاته من السبائك الذهبية، ويمتلك الان بحدود (115 مليار دولار ) كاحتياطي للنقد الأجنبي، ويمتلك القدرة الفعلية لـ”انتاج وتصدير” أكثر من 4.5 ملايين برميل يومياً من النفط الخام، ويقدر دخله النقدي السنوي باكثر من 100 مليار دولار، ويمتلك طاقات بشريةُ منتجة، مع كل ما سبق لم يتمكن العراق للأسف من المحافظة على قيمة عملته.
إن ما يحصل الآن من معاناة لذوي الدخول المحدودة من الشعب العراقي بسبب الانخفاض التدريجي والحاد بقيمة الدينار أمام الدولار (منذ 21 كانون الأول ديسمبر 2020)، يعود لأطراف أربعة نتطرق إليها أدناه:
أولاً – الدولة العراقية.
ثانياً- صندوق النقدي الدولي.
ثالثاً- الحكومة الامريكية.
رابعاً- بعثة الاًمم المتحدة في العراق.
أولاً- الدولة العراقية:
1- العراق نفسه، بمبادرة وزير ماليته في حكومة السيد مصطفى الكاظمي حول ضرورة تخفيض قيمة الدينار تجاه الدولار بحجة الإصلاحات ومعالجة عدد من الاًزمات المالية والنقدية والتجارية والاستثمارية، ومنها أيضا تحسين وضع الموازنة العامة ولدفع رواتب واجور العاملين في الدولة ومنع تهريب الدولار وغسيل الأموال والمحافظة على الاحتياطي النقد الأجنبي …الى آخره.
2- موافقة البنك المركزي على مبادرة وزارة المالية حول قرار تخفيض قيمة الدينار العراقي منذ التاريخ اعلاه، بحجج ومبررات ودوافع، قد تكون موافقة لظروف دول أخرى تعيش في واقع اقتصادي خاص بها، لكنه مختلف عن واقع العراق السياسي والاًمني والمصرفي المربك وتواجد مراكز قوى داخلية وخارجية متحكمة فيه وتدخلات إقليمية ودولية في شؤونه الى اخره من الظروف الاستثنائية الأخرى، على اي حال، فإن ما حصل في العراق هو مخالف للعرف الاقتصادي السائد، والذي يتمثل بمركزية البنك المركزي للدولة وليس وزارة المالية في مسألة تغيير سعر صرف العملة الوطنية، وفقا للنظريات المالية والنقدية والتجارية.
3- مجلس الوزراء ورئيسه (السابق) الذي وافق على الأمر، واقتنع بمبادرة وزارة ماليته دون التعمق في النتائج الكارثية التي سوف تلحق بالشعب العراقي كنتيجة للإجراء المذكور.
4- نواب ورئيس البرلمان وافقوا على المبادرة دون الاجتماع ولو لمرة واحدة لتسجيل أي اعتراض تشريعي لصالح الشعب بخصوص تخفيض قيمة الدينار، رغم أننا على علم بان القيام بإجراء تخفيض قيمة العملة -كما أشير في الفقرة رقم 2 أعلاه- هو من صلب اختصاص البنك المركزي، وليست وزارة المالية.
وعلى الرغم من أن البرلمان العراقي لا يمكنه التدخل في اختصاصات البنك المركزي العراقي بسبب استقلاليته قانوناً، وينتهي دور البرلمان بمجرد المصادقة على مرشح الحكومة لتولي منصب رئيس البنك المركزي اصالةً، ولكن هذا لا يعني سكوت البرلمان أمام قرارات واجراءات المؤسسات الحكومية التي تمس الأمن الاجتماعي والمعاشي والثقافي للمواطنين، حيث لم نجد لحد الان اي تحرك فعلي ونافذ بشأن النتائج السلبية المترتبة على تخفيض قيمة الدينار باستثناء بعض المناشدات الإعلامية من قبل البرلمان، بل وغاب هذا الموضوع الحساس في جداول أعمال البرلمان منذ ذلك التاريخ ولحد كتابة هذا الموضوع ولتبريرات غير موضوعية، ولربما بسبب عدم وجود حلول فعلية لمعالجة الاًزمة، يبقى البرلمان مكتوف الأيدي بهذا الشأن ولم نجد إجراءً تشريعياً لرفض اجراء تخفيض قيمة الدينار لصالح الشعب.
5- اقتناع زعماء الكتل السياسية المتنفذة (في الحكومة والبرلمان) بمبادرة وزارة المالية حول ضرورة تخفيض قيمة الدينار، وذلك عندما تمت استشارتهم بهذا الخصوص من قبل الحكومة وقبل اتخاذ قرار التخفيض، حيث لم نجد عملياً اي اجراء او رد فعل مؤثر من قبل اي زعيم سياسي متنفذ لرفض قرار تخفيض قيمة الدينار .
6- المؤسسات القضائية والعدلية التي لم تسجل اي تدخل او اعتراض من قبل (الادعاء العام العراقي) لوقف قرار تخفيض قيمة الدينار الذي سبب الضرر القاتل بالشعب وبقي الادعاء العام العراقي ساكتاً لحد الان، حيث ان من مهام وواجبات الأخير حماية المصالح العامة للشعب والعمل على وقف الاجراءات التي يراها بانها تلحق الضرر بالشعب والدولة.
كل ما سبق يشير بوضوح إلى تحمل الدولة العراقية بكل فعالياتها التنفيذية والتشريعية و القضائية والسياسية المتنفذة داخل الساحة العراقية، النتائج السلبية المترتبة على تخفيض قيمة الدينار العراقي وإدخال الاقتصاد العراقي في مرحلة “التضخم” و”الركود” القاتلين.