تواجه ايران الثورة ومنذ عقود، تحديات كبيرة ومختلفة، ابتداءً من اغتيال رجالات الثورة التي اطاحت بحكم الشاه في 1979، الى سلسلة التفجيرات، ثم الحرب العراقية الايرانية، فالعقوبات الاقتصادية التي رافقت مراحل استكمال مشروعها النووي الذي بدأ قبل انتصار الثورة في محطة بوشهر النووية.
وقد بدأت التحديات الجديدة تظهر تباعا خلال السنوات الأخيرة أمام هذا الملف، ابتداءً من الانسحاب الامريكي الى انفجار منشأة نظنز النووية في 11 نيسان أبريل 2021 وكان انفجارا ضخما استهدف نظام الطاقة الداخلي الذي يوفر الطاقة لأجهزة الطرد المركزي الموجودة تحت الأرض.
تعددت الروايات عن طبيعة الانفجار بسبب سرية وخطورة الملف، لكن كل التقارير أجمعت على أن انقطاع التيار الكهربائي عن أجهزة الطرد المركزي بالغة الثمن والدقة أدت الى تخريبها ما يعني توقف التخصيب في هذه المنشأة الى حين إعادة بنائها والتي حسب بعض التقارير ستحتاج الى تسعة أشهر على الأقل.
من قام بالأمر؟
وجهت الصحافة الإيرانية أصابع الاتهام الى “الكيان الصهيوني”، ككل مرة واعتبرت أن تل أبيب هي من تقف خلف هذا الحادث والحوادث الأخرى التي كشف عنها مؤخراً الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، بالقول “إننا مصابون بتلوث أمني والأمر يزداد سوءا منذ عشر سنوات”.
رضائي، الرئيس السابق للحرس الثوري الايراني، وأحد أبرز القادة العسكريين في فترة الحرب العراقية الإيرانية، اعترف في تصريح رسمي ايضا: “خلال سنة واحدة تعرضنا إلى ثلاثة حوادث أمنية، انفجارين واغتيال، وقبل هذا، قد سرقت منا مجموعة كبيرة من أكثر وثائقنا النووية السرية”.
وهذا الاعتراف يعتبر الأول من نوعه لمسؤول إيراني رفيع، بشأن سرقة الملفات النووية الإيرانية التي أعلن الاستيلاء عليها قبل ثلاث سنوات رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، مؤكدا سرقة 55 ألف صفحة و55 ألف ملف رقمي سري من الملف النووي الإيراني في 183 قرص سي دي، وهو الأمر الذي انكرته إيران طوال السنوات الثلاثة الماضية واعتبرته نكتة سخيفة.
وأشار رضائي في مقابلته التي أدلى بها لوكالة مهر الايرانية، إلى اختراق من نوع اخر لنطنز وذلك من خلال طائرات مسيرة صغيرة (درون) حلقت فوق المكان”، مطالبا بـ”عملية تعزيز أمنية وتنظيف أمني في المؤسسات الحكومية”.
وبحسب الكثير من المراقبين، فان هذه العمليات المعقدة جدا لا يمكن ان تقوم بها إسرائيل من دون ضوء اخضر امريكي، على الرغم من إجراءات إسرائيلية سابقة منفردة ضد ايران اعلن عنها رسميا.
كيف حدث الأمر؟
هناك روايتان عن الحادث، إحداهما تشير الى هجوم سيبراني معقد، والأخرى تؤكد أنها حدثت بفعل فاعل قام بوضع متفجرات في مكان ما في تلك المنشأة.
قال فريدون عباسي دواني، رئيس لجنة الطاقة في البرلمان والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية في برنامج تلفزيوني، إن “تصميم الهجوم كان جميلاً جدا”، مشيرا إلى “الدقة المتناهية للهجوم من ناحية علمية”.
وأوضح دواني، أنه “تم تخريب نقطة كهرباء داخل المنشأة رغم انها موجودة بعمق 40 الى 50 مترا تحت الأرض في مكان محكم، من خلال هجوم سيبراني أو فعل فاعل”، لافتا الى أن “العدو نفذ الأمر بشكل جميل جدا، فأنا أنظر الى الامر من ناحية علمية، إذ خططوا لتدمير نظام توزيع الكهرباء، عبر السلك القادم من البطاريات، والكهرباء كما يعلم الجميع ضرورية لعمل أجهزة الطرد المركزي”.
جاء الحادث الأخير في “نظنز” بعد تطورات على الساحة السياسية، أهمها المباحثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة في فينا، حول إحياء الاتفاق النووي وعودة الاخيرة اليه مجددا، وعلى الرغم من بعض مؤشرات التفاؤل، لكن يبقى احتمال تورط أمريكا في حادثة نطنز أمرا واردا جدا.
الحادث لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فعلى الرغم من العرقلة الكبيرة التي أحدثها لمشروع ايران النووي، إلا أن الإيرانيين عازمون على اكمال المشوار، فحسب كنث والتز أحد أكبر منظري السياسة الواقعية الجديدة، لن يمنع أحد من امتلاك ايران للتكنولوجيا النووية، فهو أمر حيوي لبقائها.