بين ارتفاع درجات الحرارة الكبير وارتفاع معدلات الاصابات والوفيات بالوباء العين، تقهقرت أحلام العراقيين ومطالبهم إلى حد توفير بضع ساعات مستمرة من الكهرباء دون انقطاع، لوقاية أطفالهم من الجو القاسي حد الألم، وإلى قناني الأوكسجين لوقاية مرضاهم من الموت المحقق، ولكن الحكومة ومؤسساتها المختصة، لم توفر لا هذا ولا ذاك، رغم القدرة عليهما وعلى توفير كل ما يحتاجه المواطن البسيط.
مرضى كورونا يموتون يوميا وبالعشرات، نتيجة لعدم توفر الاوكسجين الكافي كي يتنفسوا، خصوصا وان انخفاض معدلات الاوكسجين يعاني منها أغلب المرضى الراقدين وغير الراقدين في المستشفيات. بالأمس، خلت مستشفيات الحلة من القناني الكافية للمرضى، وترك الكثير منهم يصارع الموت عبر الاعتماد على رئتيه اللتين نخرهما المرض، لدرجة عدم القدرة على الصمود أمام البقاء إلا عبر التنفس الصناعي، ولولا جهود مجموعة من الشباب الذين توجهوا إلى كربلاء لجلب عدد من القناني الخاصة بالاوكسجين، لمات كثيرون يوم أمس.
وخلية الأزمة في بغداد وفي بابل، غير مكترثة للأمر، لا يستطيعون سوى اصدار قرارات حظر التجوال أو إلغائه، تحديد ساعات الحظر، توسيع الردهات الوبائية في المستشفيات، حتى باتت موبوءة كلها وغير قابلة لتحمل المزيد، ناهيك عن انعدام ابسط الخدمات والظروف التي تساعد على بقاء المريض على قيد الحياة. للأسف لن تستطيع تلك الجهات نفي هذه الكوارث أو اتهام جهات مغرضة وحاقدة وخارجية بتشويه صورتها أمام الرأي العام، لأن كل ما حدث ويحدث يوثق عبر أجهزة هواتف المرضى ومرافقيهم، حيث انتشرت مؤخرا الكثير من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق المأساة والكوارث التي تشهدها المستشفيات، دون أن تترك أي صدى لدى الجهات المختصة وغير المختصة حتى، فلا مفوضية حقوق الانسان ولا الادعاء العام ولا الادعاء الخاص ولا أي جهة قررت التحرك ولو إعلاميا لمواجهة كوارث المستشفيات التي ستقتل المصابين بدلا من ان تشفيهم.
إن مستشفيات الحلة اليوم، تعاني من أزمة كبيرة لا حدود لها ولا وقت محدد لنهايتها، أزمة تتمثل بأنها بؤر للموت، بؤر لصناعة أمراض وأوبئة لا تقل بشاعة وفداحة عن تلك البؤر التي خرج منها كوفيد أول مرة. والجميع صامت، لا أحد يتحدث، وكأن المتضرر هي أسماك في البحر، أو طيور في سماء، أو قرود في غابة. وليس انسانا له قيمة واعتبار أمام الله وأمام القانون. وفي خضم كل هذا، لازال الحديث يدور حول بابل التي وقعت في صحن ما يسمى بدولة القانون، ولا يحق لأي أحد أن يأكلها أو يسمي من يأكلها إلا الزعيم الأوحد. ولابد لمكونات تلك الكعكة، أن تكون من حصة الزعيم يقسمها بين اتباعه. ولا يهم كفاءة المسؤول الذي سيتولى منصبا، مادام قد قدم فروض الطاعة والولاء للزعيم. حتى لو كلف ذلك حياة الناس كلها. ورغم ما ينشر من فضائح عن المستشفيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن مسؤول الصحة يقول بأن سبب كثرة الوفيات في بابل، تعود إلى عدم توجه المصابين الى المستشفيات، والعلاج داخل بيتهم لأن هنالك حملة تخويف من المؤسسات الصحية.
لم يعد المواطن في بابل والحلة تحديدا، يطالب بشوارع نظيفة مثل شوارع باقي المدن، ولا خدمات ولا غذاء، بات همه الوحيد هو توفير الهواء لمرضاه، توفير فرصة ولو بسيطة للعيش في مكان موبوء ومنبع للأمراض الفتاكة! وبابل، يشهد تاريخها أنها سقطت بيد غزاة من الخارج، لكنها اليوم على وشك السقوط، وبيد الخارجين عن كل نواميس الحياة. فهذا الهواء الذي كنّا نتصور أنه الوحيد الذي لن يستطيعوا حرمان الشعب منه، ها هم اليوم، يحرمون الناس من نعمة الهواء.