لربما هي المرة الأولى التي اكشف بها تحريريا عن سر مشترك ، ولربما قاسما مشتركا بين مظفر النواب وطارق ياسين في ذكرى رحيله ، ولا اظنني كشفت عنه إلا مرة واحدة قبل هذه الكتابة ، كان ذلك في فعالية اقامها (كاليري مجيد) في الأيام الأولى لرحيل النواب .
في زيارة مظفر للعراق مايس 2011 وبحكم مرافقتي له صادف وأثناء جولة مسائية أراد خلالها رؤية بيت أهله القديم الذي شهد ليلة مغادرته العراق في العام 1969 والواقع بكرادة مريم وحين استغرب متغيرات و تحولات المشهد اجبته:
(جانت كبل بستان) رد علي وعلى الفور :
هذا شعر؟
أجبته: إنها جملة من قصيدة قصيرة لطارق ياسين، طالبني بأن يسمعها كاملة حال عودتنا لمقر إقامته، فحققت ما أراد وقرأت المقصورة الشعرية كاملة .
لا أبالغ إن قلت طلب إعادتها لأكثر من خمس أو ست مرات في فترات متفاوتة، وحين ودعناه عائدا للإمارات اتصل بي ذات مساء ابن شقيقته (مهند) ليخبرني بأن خاله (مظفر) يطلب بأن أملي له ( بستان) فامليتها.
القصيدة القصيرة هذه أسمعتها للصديق الفنان كريم منصور نهاية الثمانينيات في جلسة حميمية فطلبها مني على الفور وسجلها فيما بعد بصوته الشجي، حتى أصبحت واحدة من أغنياته مع أنها لم تُسوّق جيدا أو لم تلق الصدى الذي تستحقه في ظل ظروف انهيار جماعي لذائقة الناس وسط خراب ضخته ستوديوهات وشركات إنتاج الفوضى العارمة .
لقد أحس مظفر ورأى ما حصل لبغداد التي أحبها بعمق، ولذا استهوته أبيات قصيدة طارق الذي أحس هو الآخر مبكرا بتلك الخيبة التي أوحشته فتفتقت شعرا .
القصيدة حوارية مختصرة ومدهشة وصادمة، أحد يسأل بلبلا :
(كتله اشبيك حاير يا ابو الالحان؟
كلي تشوف هاي الكاع؟
كتله اشبيهه؟
هز رأسه وصرخ:
جانت كبل بستان).
لقد دب الجفاف ببستان طارق ياسين مبكرا، صدم بخيبات كانت بطلة أسبابها السياسة بمختلف أوجه نفاقها وقذارتها وانحطاطها ،مثلما حل يباس الثقافة من خلال كل ماهو طارئ ومشوه عمدا لجوهرها .
صادف يوم رحيل طارق ياسين في ذكرى القاء القبض على جيفارا!! فهل كان لقابض الأرواح موعدا به من الصلف مالايوصف بظلمه لمن تطلعوا للحرية!؟
هل نحسدك يا طارق ام نتذكرك فنبكي اعتذارا منك ؟ نحسدك لأنك لم تستمع لبرامج الشعر الضحلة ولم تشاهد حوارات الهزالة التي تبثها الفضائيات.
سنظل نرثي البستان أيها الطارق.
الصورة لطارق ياسين- الناصرية 1969 في المهرجان الشعري الأول والوحيد الذي شارك به طيلة حياته.