صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

بعيدا عن الاوهام.. العراق في قلب العاصفة

يعد نمط الاخطار المركبة التي يتعرض لها العراق  حاليا من اخطر التهديدات التي يمكن لدولة ان تتعرض لها، حيث تلتقي مصالح ضيقة لاطراف محلية، مع مصالح واطماع اطراف خارجية ( دولية او إقليمية ) على حساب مصالح الشعب العراقي، الامر الذي يجعل من إنخراط كافة القوى السياسية الحالية داخل السلطة وخارجها في سياسة المحاور الاقليمية، أمر بديهي ولامفر منه .

يمكن رسم خارطة الإصطفافات الحالية  والتي يشكل العراق مركزها وقلبها، وكذلك الاتفاقات تحت الطاولة على حسابه على النحو التالي:

أولا: على المستوى الدولي، تتنافس صراعيا بشكل مباشر وحاد على أرض العراق وعلى حدوده الشمالية الغربية نفوذ كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية .

ثانيا: على المستوى الإقليمي، تتصارع  كل من إيران والسعودية بصورة معلنة في كافة ساحات المنطقة (العراق وسوريا ولبنان واليمن) وتقيم السعودية بثرواتها الطائلة حلفا عسكريا عربيا – إسلاميا عموده الفقري القوات المصرية بضمان ودعم اميركي ومباركة إسرائيل خوفا من التمدد الايراني ولتجاوز الضعف والهشاشة الذي تمر به المملكة .

ثالثا: يتسم العراق بعدم الاستقرار منذ عام 2003 وفي كل مرة تضرب العراق هزات العنف المزمن، ولازالت محركات ومولدات هذا العنف تعمل بقوة، ويعاني من تشضي هويته ولحمته الوطنية وهو تقريبا حاليا بلد بلا حصانة او مناعة تقيه الإختراقات الخارجية، ولاءاته الفرعية مرتبطة مباشرة بالولاءات الخارجية، ومن المؤكد بسبب فشل الحكومات المتعاقبة وفسادها من ان يكون شباب العراق وفي كل مرة وتحت اية عناوين ليسوا سوى وقود وحطب لحروب يخوضونها من جديد (بالنيابة) عن هذا الطرف الاقليمي والدولي أو ذاك.

مزاج المناطق الغربية مستعد حاليا وبقوة للتعاون مع القوات الامريكية بل وخدمتها وتجري على قدم وساق إعادة إحياء وبناء القواعد العسكرية، والتي ليس بعيدا عنها في الصحراء تربض بؤر التطرف التي تنتظر إعادة إنتاجها تحت مسمى جديد  وحسب الطلب كما حدث عام 2006 و2014.

في نفس الوقت الأحزاب الكردية في شمال العراق رغم إنقسامها (اكراد إيران وأكراد أميركا وتركيا) متحفزة لاستعادة هيبتها المكسورة ودورها، بعد خسارتها الكثير من نفوذها، لاسيما بعد فشل استفتائها وفقدانها “كركوك” ركيزة إنفصالها المقطوعة .

 وفي الوقت الذي تبدو فيه إيران ممسكة بالارض من خلال أذرعها العسكرية على إمتداد العراق وفي العمق السوري، فإن اميركا بلا شك ممسكة بقواعد حقيقية على الارض خاصة في المنطقة الغربية (على هيئة مقص) وتتحكم بكل سماء العراق وفضائه , وما إنسحابها من سوريا إلا لتقليص مساحة إنتشارها وتفادي إستهدافها ولملمة أطرافها.

 رابعا: مشاهد وسيناريوات الاتفاقات التي من المحتمل إنها أبرمت تحت الطاولة او فوقها والتي أسفرت عن الانسحاب الامريكي، فثمة احتمالان:

أ- جرى تفاهم أمريكي- روسي، على تقاسم مناطق النفوذ، وعدم الاستدراج لمواجهة قد تحدث في أي لحظة ؟ وعقد صفقة  (deal)فسوريا روسية، والعراق أميركي، وربما اميركا قد أعطيت ضوءا أخضرا روسيا للمباشرة بتصفية النفوذ الأيراني في العراق بالطريقة التي تراها مناسبة، وهذا مايفسر غضب الفصائل المسلحة القريبة من إيران وتزايد المطالبات البرلمانية بالتعرف على عدد القواعد وحجم القوات الامريكية في العراق بل والمطالبة بانسحابها .

ب- جرى تفاهم مركب دولي إقليمي (امريكي – تركي)×( روسي – إيراني )على تقاسم النفوذ على كامل الاراضي السورية العراقية واعتبارها ساحة واحدة والخاسر الوحيد الذي سيكون ساحة بلا سيادة هو العراق نفسه حيث سيكون رهينة للارادة الامريكية الايرانية، في حين ستبقى الساحة السورية رهينة للارادة الروسية التركية .

من المرجح مما يبدو من تصرف الاطراف المعنية وزيارة الرئيس الامريكي وتعاظم الحراك العسكري الامريكي وإعادة إحياء القواعد في العراق، من جهة، ومن جهة أخرى استعدادات فصائل الحشد وحراكها في خطوة إستباقية وإجهاضية بإتجاه المناطق الغربية، سيزيد من درجات التوتر والحرارة مع قدوم وإقتراب الصيف .

ومع حكومة فاقدة للمشروعية بسبب حجم التزوير الذي ولدت من رحمه، وفساد بات ينخر كامل جسد الدولة العراقية، ومع جيوش من الشباب العاطلين عن العمل ووجود كل هذا الاحتقان والنقمة، فإن سيناريوات التغيير الدرامي تصبح أكثر من محتملة ومقبولية، في ظل غياب الخيار العراقي الوطني الذي سيكون حبل الانقاذ الوحيد وهو أمر بعيد المنال على ضوء المؤشرات الواقعية، لاسيما وإن العملية السياسية واقطابها قد اصبحت ميتة سريريا وتلفظ انفاسها الأخيرة ولم يعد ينفع معها أية ترقيعات كالسابق، وإن ليالي تموز العراق دائما حبلى، فمن سيعلق الجرس؟

اللهم احفظ العراق وشعبه.. ورد كيد أعدائه الى نحورهم.

أقرأ أيضا