فاجعة مدينة الثورة العراقية في يوم الإثنين التاسع عشر من شهر تموز، لا يمكن مشاهدة نسائها المفجوعات والمتذرعات والباكيات دماً، واجهتها وللأسف “تغريدات” الحكومة الثلاثية على تويتر!
تساءلت بعد التفجير.. لماذا لا تحصل مثل هكذا تفجيرات مفجعة في بلدان الجوار وجاءني الجواب وحده .. “من الذي دفع لشركة سيارات تويوتا اليابانية أثمان ستمائة سيارة رمادية اللون رباعية الدفع، لتقل ثلاثة آلاف إنتحاري أفرغت لهم معسكرات مدينة الموصل وملئت لهم خزائن مصارفها، وكانت الطريق سالكة نحوها باتجاه العراق “وبعد أن هدموا المدينة بالحقد المبرمج .. أنسحبوا “مهزومين!” ليستقروا في بيوت الحواضن، ويختاروا الوقت المناسب والمكان المناسب للموت الذي يستحقه العراقيون!
الانتحاريون من الصعب اليوم كشفهم .. لا أجهزة المخابرات تكشفهم ولا قوى الأمن الداخلي أو الخارجي، لا مكافحة الأرهاب، ولا المليشيات .. الإنتحاري شخص مسلوب الإرادة يتحرك كما الروبوت مخدر المشاعر فسلجيا .. لا يتقن سوى جملة واحدة يصرخها لحظة التفجير.. ولم يعد بالإمكان التحقيق معه وإستقاء المعلومات منه، لأنه أول الميتين!
ولماذا المعلومات وجهد الإستقاء؟!
الإرهاب ومصادره وأسلوب دحره لا يحتاج سوى إلى دولة وطنية، بشعبها وإدارتها!
بلدان الجوار هذه التي تعقد قممها في العراق، وتستهدفها زيارات الرؤساء الثلاثة لتستجدي منها حزم الكهرباء، هي التي دفعت أثمان سيارات التويوتا رمادية اللون رباعية الدفع والتي أستقلها ثلاثة آلاف إنتحاري .. الذي فجر نفسه في مدينة الثورة وأودى بحياة العراقيين الأبرياء هو واحد من هؤلاء.. واحد من أولئك!
لقد وفرت “تويتر” للرؤوساء العراقيين الثلاثة فرصة التغريدة على مواقع التواصل الإجتماعي .. والتغريدة ليست سوى صوت في الهواء، فيما الموت هو دم على أديم مدينة الثورة .. مدينة عبد الكريم قاسم .. مدينة الفقراء.. والدم لا يمكن أن يغسل بسطور التغاريد..
في زيارته لمدينة كربلاء عرج رئيس وزراء العراق “نوري باشا السعيد” على بيت صديقه “الحاج حسون” لتناول وجبة الغداء.. فجلسا في بستان الحاج، وكان فيه قفص يحوي بلبلا جميلا استحسن “نوري السعيد باشا” تغريدته فسأل الحاج حسون عن أصل البلبل، وأطرى على تغريدته التي لم يسمع مثيلا لها في حياته، ورغب أن يقتني بلبلا مثيلا لأن عنده بلبلا لا يحسن التغريد.. عقب الحاج حسون مازحا.. “ليكون بلبلك يا باشا من بريطانيا”..! وأضاف الحاج حسون “إن البلابل المغردة بصوت شجي موجودة فقط في بساتين أبي الخصيب في مدينة البصرة وفي بساتين كربلاء وسواهما فالبلابل لا تحسن التغريد!”
صراحة لم يكن نوري باشا السعيد ولا الحاج حسون فريد يستمتعان بتغريدة البلابل لو كان ثمة تفجير واحد قد حصل في الوطن العراقي، بل لاستقال نوري باشا السعيد من الوزارة ولفتح الحاج حسون فريد باب القفص وحرر البلبل من سجنه! حيث لن تغرد البلابل، وسط رعب الموت في مدينة الثورة.. وفي عموم العراق.. أما أن يغرد رؤوساء العراق فهذا شأن يمس الشرف!
سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا