صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

بماذا يفكر “المتحولون”؟

تعتقد دوائر صناعة القرار الاميركي – البريطاني في العراق ومعها مراكز دراسات ومراكز اعلامية تشتغل ضمن دائرة المصلحة الخليجية أنّ الفرصة في الانتخابات القادمة أكبر من غيرها لإيصال قوائم سياسية لا تسيطر عليها ايران. تنطلق هذه الفكرة من تصور مفاده أن الغلبة في السباق المقرَّر في ايار ستكون لنوعين من القوائم، الاولى: شيعية، لا تمثل التصوّر السياسي الايراني في العراق، وأُخرى: معارضة تماماً لطهران، وعلى هذا الأساس يمكن تفسير الحماسة التي أخذت تظهر واضحة في مواقف من يشتغل أو يتشاطر مع المزاج الاميركي – البريطاني والخليجي في العراق.

ابتداءً افرز هذا التصور “دائرة تشجيع” على الانتخابات، لا تقتصر على القوى السياسية العراقية التي تنسجم مع توجهات ايران في المنطقة كما جرت العادة؛ بل تشاركها فيها وبشكل متساوي القوى التي تقف بالضبط على الطرف النقيض من القوى الشيعية التقليدية وهو بالنهاية طرف إما قريب من تطلعات سعودية – خليجية أو اميركية – بريطانية او كلاهما!

وهذا المتغّير قاد الى تحوّل او انتقال جزءٍ كبير ممن كان يتحمس لتغيير قانون الانتخاب الحالي للترويج الى “ضرورة المشاركة في الانتخابات القادمة” باعتماد القانون الحالي!

بالتأكيد ليس مستهجنا او مدانا هذا التفاؤل الذي يبديه “المتحولون” من دعوات المقاطعة الى دعوات المشاركة، لكنّ الإقرار بأنّ القانون الحالي لا يساعد على إزالة نظام الحصص، بل يُسهم في تكريس التقسيم الطائفي ومن ثمّ القبول به، هو جوهر النقاش مع عدم إغفال نقطة في غاية الاهمية وهي ان الدعوة للمشاركة في الانتخابات تقتضي بالضرورة عدم الاعتراض لاحقا اذا تصدّرَ نتائجها محاصصون او طائفيون فعكس ذلك سيكون شبيها بالعرف السياسي الذي يُتيح للكتل الحصول على الحصة الوزارية وبذات الوقت ممارسة دور المعارضة. فالداعون للمقاطعة ينطلقون من فكرة مختصرها: إن اجتماعا لا تستطيع ان تثق بآلياته ولا تعتقد بعدالة ضوابطه لا يمكن إلا أنْ ترفض المشاركة فيه ولا تدخل غرفه من الاساس، وهذه نقطة ربما تعزز موقف المقاطعين لا العكس، بخاصة اذا ما أردنا التعرف على هوية المسؤول من بين المقاطعين او المشاركين فيما لو نجح فاسدون بالوصول للبرلمان مرة اخرى.

الخلاصة ان انتقال جزء كبير  من القطاع الذي كان يطالب بتحسين آليات الانتخاب وإنتاج قانون عادل الى القبول والمشاركة على الرغم من بقاء آليات الانتخاب ذاتها يمنحنا التعرف الى جملة ملاحظات منها: اولا ان هذا الجزء انصاع الى لعبة “تبادل المواقع” التي تمارسها القوى السياسية المعروفة -عندما تُغير موقفها من قانون ما أو قرار ما طبقا لوضعها الخاص فقط- في حين أن انتاج قوانين تأسيسية عملية تتطلب أولا عدم الخوض في المواقف الجهوية الآنية وهذه الزاوية تكشف مرة اخرى فقدان التجربة العراقية ما بعد 2003 لجهات ضغط تحتفظ بمسافة جيدة من لعبة المصالح، وتمتلك موانع كافية لعدم التعاطي مع المفهوم السياسي الراهن للربح والخسارة.

ثانيا إن دعوات المقاطعة على مستوى الاعلام والتدوين في التواصل الاجتماعي لا تبدو منظمة مقارنةً بدعوات المشاركة بالانتخابات التي تبدو منظمة وواضحة ايضا، وهذا ربما يؤشر الى عدم وجود جهة – تدفع المال- ترعى دعوات المقاطعة بخلاف نظيرتها، فدائرة الدفع لتحفيز المشاركة اصحبت تضم جميع مصادر التمويل في الحلبة العراقية المفتوحة.

أخيرا ان ظهور مؤيدين جدد للعملية الانتخابية القائمة على القانون الحالي تعني بشكل من الاشكال تراجعا في فرص انتاج قانون يسمح بانتخاب نواب لا زعماء وهي عملية لا ينجزها إلا قانون الانتخاب الفردي المباشر والدوائر الصغيرة المتعددة.

أقرأ أيضا