صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

بيان حزب الدعوة لا يكاد يبين

لقد كان بيان حزب الدعوة يحمل في طيّاته كلّ معاني الإحباط والألم، ويحمّل جناحي الحزب «العبادي والمالكي» مسؤولية الانتكاسة السياسية التي تعرّض لها الحزب، وقد تم وصفها بـ: أنّ ما قام به الجناحان كان خروجاً على قرار الحزب، فالسيرُ باتجاهين متعاكسين، ونزول كلّ واحدٍ منهما في قائمته فتنة، وأنّ هذه الفتنة يراد منها إنهاء الحزب وجعله نسياً منسياً. فأيّ تعبيرٍ أشدّ إيلاماً من هذا التعبير؟! فالدعاةُ هنا قد سجّلوا للتاريخ أنّ الانتكاسة السياسية البالغة الخطورة، والتي قد تنهي تاريخ الحزب لا يتحمّل المسؤولية فيها الحزب ولا قيادته ومسيرته ورجالاته، وإنّما يتحمّله الصراعُ بين شخصين في قيادته.

ومن أجل أنْ يتمّ تنزيه قيادة الحزب وجسمه وتوجّيه المسؤولية فقط إلى الجناحين أكّدوا أنّ الجناحين منعوا على الدعوة التدخّل والحلّ بقولهم : «… وأنتم تعلمون عدم السماح للحزب من الإشراف على القائمتين».

ويستمرّ البيان في تنزيه ساحة جسم الحزب وإناطة المسؤولية بالرجلين المذكورين من خلال تبيان الجهد الذي بذلته الدعوة بعد إعلان نتائج الانتخابات لدمج القائمتين «النصر والقانون»، إلّا أنّ العبادي أصرّ وأصرّ على المنع والرفض، وهنا فعلى الشورى والتاريخ والأجيال أنْ تسجّل أنّ مرحلة ما بعد الانتخابات يتحمّل المسؤولية فيها العبادي وحده.

وأيضاً قام الحزب بجهد ثالثٍ، وهو أنّ لا  تذهب أيٌّ من القائمتين منفردةً في تحالفاتها، وبمبادرة من الشيخ الزّهيريّ تمّ عقد اجتماع في بيت الشيخ الزّهيري حضره الأخَوَانِ المذكوران وهادي العامري، وكان الغرض منه عقد تحالف بين القوائم الثلاثة، وبعد ذلك التحرّك لتكوين تحالف أكبر، لكن مع الأسف لم يخرج بالنتيجة المتوخّاة، فوصف الاخ العبادي الاجتماع بأنّه دعوة عشاء لا أكثرلافشال جهود الدعوة .

ويستمرّ البيان قائلا: مع ذلك عملنا بشكل هادئ ودؤوب من أجل تطبيق الاتفاق لالتحام القائمتين، لنفي بعهدنا الذي وقّعناه أمام الدّعاة وأمام الدّعوة وقبلهما أمام الله لنكون مصداقا لقوله تعالى {… والموفون بعهدهم إذا عاهدوا… } [البقرة : 177]، فكيف والعهد عهد الدّعوة والدّعاة. لكننا جوبهنا بقبول على خجل من أحد الأخوين ورفض قاطع من الأخ الثاني.

وقال البيان: ذهب أخ القانون إلى الفتح، وسار أخ النصر خلف سائرون، ونحن نذهب إلى أخينا هذا مرّة ونعود إلى الثاني مرّة أخرى من أجل إيجاد التقارب والالتحام وتنازلنا إلى التحالف بينهما فلم نجد اذانا صاغية وبالأخصّ من الأخ العبادي وآلت الأمور بما نحن فيه الان.

أقول: يقرب  قولهم هذا بتخاصم رؤوس الشورى في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث مالت بهم أهواؤهم الدنيوية، فقال: «… لكنّي أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجلٌ منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هن وهن‏…».

ويردف البيان قائلاً: اتفق خصماء السياسة «الفتح وسائرون» على أشلاء أخوة الدّعوة والجهاد «النصر والقانون». نسترعي الانتباه إلى التعبير بـ«أشلاء»، الموحي بموت الحزب، وتقطّع أجزائه, او اهمال الاشهداء.

ولا بدّ من التنويه على أنّ  الكثير من محبي الدّعوة وقوى سياسية واجتماعية كانت تنتظر أنْ يحسم الدّعاة موقفهم ليلتحموا حتّى تبدأ مرحلة الخريطة الحكومية الجديدة وفقاً لذلك، ولكنه لم يحصل حتّى دخلت الدعوة مرحلة أخرى، لا نعلم مدى خطورة تداعياتها السلبية على حزب الدعوة والدعاة، وأنّها لا شكّ تداعياتٌ شديدةُ الخطورة كما لا يخفى. إنّ هذا البيان يبرر أسباب خسارة الدعوة موقع الصدارة في الحكم والحكومة، وبالتحديد: إنّ هذا البيان يبرر ويحمّل العبادي والمالكي أسباب خسارة الدعوة لموقع (رئاسة الوزراء) ولا يبرر الخسارات الأخرى المهمّة.

وهنا نشير إلى أن بيان الدعوة لا يمتلك البيان في ما يلي:

نحتاج إلى بيان يجيب عمّا تطرحه الأجيال الحاضرة والآتية من سؤالين: الأوّل هل كان سرّ قوّة حزب الدعوة كامناً في المناصب الحكومية، وحال فَقْد المنصب حكمتم على الدعوة بأنّها صارت نسيا منسيا ؟. والثاني: أنكم تحصرون سبب كون صيرورة الحزب نسيا منسيا بخلاف العبادي مع والمالكي, وكأنّما لا خلاف في البين غير خلاف هذين الرجلين، والواقع يقول غير هذا، فلو خرجتم خارج الخضراء, وأبصرتم التاريخ القريب، لوجدتم أجيالا من الدعاة والقامات والأسر الكريمة، قد أُهملت وهُمّشت وسُحقت بل ومُنعت من العودة إلى جسم الدعوة. فهل السبب الوحيد الذي يجعل الدعوة نسيا منسيا هو تمزّق ثوب الدعوة بعد أنْ أخذ أخ النصر وأخ القانون كلّاً بإحدى طرفيه، ونُسيت الهنات والهنات، ونسي أصحاب هذا البيان الإشارة إلى سرقة أموال الدولة وعقاراتها وثرواتها، وأصبحوا مصداقا لقول أمير المؤمنين (ع): «يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع‏»، ونسوا الفشل الخدمي، والفساد الاداري، وجوع الملايين، وترهل دوائر الدولة وتضخّم أموال أولاد المسؤولين وأحفادهم حتّى ضجّ الضاجّون، وعجّ العاجّون، وأصبحت حديث الشارع للقصيّ منهم والداني، المثقّف والأميّ، وقالت المرجعية: لقد بحت أصواتنا وغلقت المرجعية أبوابها عليكم.

أيّها الدّعاة إنكم تحتاجون إلى بيانٍ يوضّح الكثير الكثير، فإنه لا يوجد حزب في الشرق الأوسط حكم دولةً لثلاث دورات، وأمسك بـ55% بمفاصل الدّولة، ومؤسساتها المهمّة، ومع هذا يخرج منتكساً, انتخابيا، من هنا أنتم بحاجة إلى مراجعات أعمق وأحليكم إلى مراجعات المفكّر الاسلامي حسين جلوب لو سمحتم؛ لأنّ بيانكم هذا يشخّص أنكم إلى الآن لا تعلمون ما يجري وما يحيط بكم لذا كان بيانكم يكاد لا يبين.

الخلاصة في كلّ البيان أنّ القيادة تحمّلُ العبادي بقدرٍ كبيرٍ، والمالكي بقدرٍ أقلّ منه المسؤولية فيما آلت إليه الدعوة والعراق، وأنّ الخطر ليس عابراً، وإنّما يمثّل نقطة الفراق والانهيار في تاريخ الحزب، وقد يجعله نسيا منسياً، فنذكّر سجّلات التاريخ أنْ لا تغفل هذا الحدث الكبير، وهذه نهاية مسيرة قد مشى فيها آلاف الشهداء، وكواكب الخير، الذين سقطوا على مذابح الجلادين متهمين باسم هذا الحزب، وهذه بشائر الندم لكنّ يا أرامل الشهداء  والأيتام، ويا أيّها الأمهات الثاكلات، سياتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من حزب الدعوة إلا اسمه، ولا ثقافة الدعوة إلا رسمها.‏

أقرأ أيضا