تضغط الفتاة االعشرينية زر تسجيل الفيديو: “مرحبا أنا ليان عمري عشرين سنة، هربت من بيت أهلي عشان بتعرض للعنف والتحرش والضرب…”، ثم تنشره على صفحة انشئتها على موقع انستغرام، ما يلبث ان ينتشر الفيديو ويصبح للصفحة متابعين يزيد عددهم عن 150 ألف متابع، يريدون معرفة تفاصيل قصة الفتاة التي هربت من عائلتها في الاردن وسافرت برفقة صديقتها الى تركيا، من خلال هذه المنصة، تحاول ليان العثور على حماية بعد أن تم تهديدها من قبل أسرتها وأقربائها بحسب زعمها، مناشدةً منظمات حقوق الانسان والمراة.
هذه ليست المرة الاولى التي تلجأ فيها نساء عربيات هاربات من عائلتهن الى مواقع التواصل الاجتماعي كخط دفاع أخير، ففي يناير عام 2019 ، لجأت الفتاة السعودية رهف محمد القنون الى تويتر بعد أن حبست نفسها في مطار بنكوك بعد أن هربت من عائلتها، وبعد انتشار قصتها حصلت على اللجوء الى كندا، وقبلها قامت الامارتية الهاربة لطيفة آل مكتوم في العام 2018 بنشر فيديو على يوتيوب تشرح فيه أسباب هروبها وتفضح المعاملة السيئة التي تعرضت لها معتبرةً ان الفيديو هو محاولة لانقاذ حياتها: “هذا الفيديو قد ينقذ حياتي”.
حين تكون حياته في خطر، يتمسك الانسان بأمل وحتى ان كان زائفا، البوح اذا هو المناجاة الاخيرية التي تطلقها النساء، المسكوت عنه يوارى خلف الابواب المقفلة، تقتل النساء تعنف وتضرب، في المنزل/ السكن حيث لا سكينة، لتخرج الى المجهول المخيف أكثر أمنًا، فيصبح البوح قوة.
يتقاطع العام والخاص في حياة المرأة على السوشيل ميديا، ولطالما كانت النساء العربيات ينحصرن في الحيز الخاص، فالكلام عن العنف وأشكاله لا يتعدى أن يكون حديثًا عاديُا بل حتى عابر في يوميات النساء، واذا شكت فتاة للاهل والاصدقاء غالبًا ما يكون الردّ نصيحةً بالصبر والسلوان، ولكن مع صعود موجات حقوق النساء عربيًا في بداية القرن الحالي أخذت الامور تنحى بالتغير وان كان بشكل بطيء، لتتصاعد مع فورة وسائل التواصل الاجتماعية، التي فارت معها موجات حقوق الانسان والمرأة والأقليات… حتى انه وصف بعض الباحثين في علوم الإتصال، الاعلام الجديد كمحرك أساسي للشعوب العربية للدفاع عن حقوقها بشكل عام (يمكننا مراجعة الاكاديميات التي كتبت عن الثورات العربية وعلاقها بالديجتال ميديا مثلاً).
وكان للنساء العربيات نسبة وفيرة من هذا الضخ، فبعدما كانت تغطيات قصص النساء والحضور النسائي محدود، بالعدد والنوع في الاعلام التقليدي، جاءت المنصات الاعلامية الحديثة لتقدم للنساء فرصة الظهور بصورة أقل نمطية.
وهكذا تصبح صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، نوافذ جديدة تطلق منها النساء الاستغاثات، وتسبح كلماتهن في هذا الفضاء الافتراضي، كإثبات أنهن مررن من هنا، قد تطفو الى الوجه أحيانًا مع كل قصة لفتاة جديدة، وقد تغرق بعد حين، عندما يظهر ترند جديد يلغي الذي قبله، لتذكرنا بالعجز الذي نعيشه كنساء، ونتساءل اين هي هذه القوانين التي اعتقدنا اننا نحتمي بها، هل ستنتشلنا حقًا؟.