تتقن السلطة اللبنانية الرقص فوق الجثث، والدوس على الجراح المفتوحة. إذ قرر مدعي عام التمييز غسان عويدات اطلاق سراح جميع الموقوفين بقضية تفجير الرابع من آب من دون استثناء. فنزل أهالي الضحايا إلى خطوط المواجهة وتجمهروا أمام منزل عويدات ومعهم قلوب باكية وصور ضحايا معاتبة “لما نقتل مرتين؟”
كر وفر
عاد القاضي طارق البيطار إلى الساحة بعد سنة ونصف على كف يده عن الملف، متحدياً كل المعطلين والمسوفين وكل من سولت له نفسه الاستخفاف بدماء ضحايا تفجير العاصمة اللبنانية، ومعاناة أهاليهم وكل من خسر روحاً وحجراً في هذه الكارثة.
وادعى البيطار على كل من مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم ، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات. وأصدر قراراً بإخلاء سبيل 5 موقوفين في ملف تفجير المرفأ من أصل 17، من دون كفالة، مع منعهم من السفر.
استدعت هذه الخطوة المجنونة للبيطار، استنفاراً في صفوف أزلام المنظومة الفاسدة، وانهالت التأويلات والتحليلات والنقاشات القانونية، وتناسى المعطلون أن هناك مئات الأرواح التي أُزهقت ظلماً واستهتاراً تنتظر العدالة لتتحرر من ألم الموت بلا ذنب أو قضية.
استعان رأس حربة المنظومة غسان عويدات بنصين مقتبسين من القرآن الكريم والإنجيل المقدس في كتاب وجهه للقاضي البيطار ليؤكد له أن يده مكفوفة، فقال مدعي عام التمييز “إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان”، بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون”، بموجبه نؤكد أن يدكم مكفوفة ولم يصدر أي قرار بقبول أو رفض ردكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم”.
وكلف عويدات المدير العام للأمن العام”بوضع إشارة منع سفر بحق القاضي طارق البيطار”.
من جهته، اعتبر “إئتلاف استقلال القضاء” أن قرار البيطار جاء “بمثابة اجتهاد ضروري لوضع حد لنظام الإفلات من العقاب في إحدى أخطر الجرائم المرتكبة في لبنان ولضمان حق التقاضي للضحايا والمدّعى عليهم والموقوفين وإعادة التحقيق إلى مساره الطبيعي”.
وحذّر الإئتلاف “من تصاعد المواقف ضدّ المحقق العدلي، داعياً جميع القوى الاجتماعية إلى الدفاع عن السيادة القضائية التي هي جزء أساسي لاستعادة السيادة الوطنية وعن حق الضحايا في العدالة وحق المجتمع بالحقيقة.”
غضب وألم
لم تخفف هذه الحرب بين رجال القضاء من آلام أهالي ضحايا تفجير المرفأ، بل على العكس كل هذه المراوغات والإنهيار القضائي ولغة التهديد والشتائم، كل ذلك وإن دل على شيء فهو دليل قاطع على حجم الإستهتار بقضية بجحم انفجار الرابع من آب والإستخفاف بمشاعر العائلات المنكوبة والتي تنتظر تحقيق العدالة لعل النيران المشتعلة في قلوبهم تهدأ ولو قليلاً.
فاعتبرت والدة أحد الضحايا أنه “يتم وضع صاحب الحق بالسجن والمجرم يخرج”.
وأكدت الوالدة المفجوعة أنها “ستحسابهم، طالما لا يوجد قضاء ولا عدالة لقضية 4 آب، ومن قتل إبني أريد أن أقتله وأشرب من دمه، من سنتين ونصف السنة، وقضية إبني بيد القضاء وطالما لن يأخد حق إبني فأنا من سآخذه بيدي”.
في المقابل، بعد أكثر من عامين على “تفجير بيروتشيما” الذي أودى بحياة أكثر من ٢٠٠ شخص وشل الحياة الإقتصادية في لبنان، هناك من يحارب لقتل الحقيقة وتحرير المسؤولين عن هذه الكارثة على حساب أرواح بريئة قُتلت بوحشية وعائلات مفجوعة ووطن مُحَطم. هل يكذب علينا إيماننا وتُهزَم أسطورة انتصار الخير على الشر والحق على الباطل؟ هل ستُقفَل القضية؟