أثارت الهجمات الجوية والصاروخية الاميركية الاخيرة على المنطقة الحدودية السورية العراقية وعلى طرفي الحدود بين البلدين وداخل اليمن ايضا على مواقع الحوثيين الكثير من التساؤلات والاستفهامات على طبيعة هذه الهجمات وجديتها واهدافها . وعلى الرغم من ان الهجمات على الحدود السورية العراقية كانت قد وقعت فجر السبت 3/2/2024 وعلى اليمن في مرحلتها الاخيرة فجر الاحد 4/2/2024 الا ان الاميركان كانوا قد اعلنوا عن هذه العمليات قبل ذلك باسبوع تقريبا مما سمح باجراء تغيرات مهمة واساسية في مسرح العمليات اهمها اخراج القوات واجهزتها ومعداتها من المنطقة المستهدفة وتوفير الوقت اللازم للاختفاء فضلا عن فقدان عنصر المباغتة اللازم لتكبيد الطرف المقابل اكبر الخسائر على صعيد الافراد والمعدات . وبسبب من هذا الاعلان والوقت الاكثر من الكافي الممنوح للخصوم للخروج من المنطقة يشكك الكثيرون في طبيعة هذه العمليات وجدواها وعما اذا كانت هناك ( لعبة ) متفق عليها بين الاميركان والايرانيين فضلا عن عدم وجود حالة عداء او خصومة بينهما حسب مايعتقدون، والا وحسب قول هولاء ايضا كيف يُسمح للايرانيين والقوات الرديفة معهم بترك المنطقة وبسهولة ليأتوا الاميركان بعد ذلك ويهاجموا ابنية ومراكز ومقرات خالية الا من لم يسعفه الحظ بالخروج؟
ان الواقع لا ينسجم مع هذه الشكوك والحقيقة لا تتواسق مع نظرية الموأمرة ذلك ان الايرانيين واقصد النظام الاسلامي في ايران في حالة عداء مستحكم مع الاميركان وان شعار الموت لامريكا (مرگ بر امريكا) هو حقيقة وليس شعار حتى بات هذا الشعار جزءا من البنية الايديولوجية للنظام الاسلامي وجزءا مهما من اركانه وعقيدته السياسية . وبسبب من هذه العقيدة السياسية والايديولوجية فان ايران تسعى جاهدة الى اخراج الوجود الامريكي من المنطقة لاسيما وان هذا الوجود يمنع من تمددها وانتشارها في المنطقة في اطار تطلعاتها السياسية والايديولوجية . اما الاميركان من جانبهم فان لهم في المنطقة مصالح كثيرة وكبيرة وللمنطقة اهميتها الاستراتيجية وعلى الرغم من انهم صرحوا اكثر من مرة بانهم يرغبون بمغادرة المنطقة واتخذوا خطوات وان كانت مترددة في هذا الاتجاه كما في عهد باراك اوباما وربما حتى في عهدي ترامب وبايدن لغرض التفرغ لقوى صاعدة لاسيما الصين في منطقة المحيط الهادي الا انهم مع ذلك مترددون ولا يستطيعون اخلاء المنطقة للايرانيين والانسحاب من دون ترتيبات أمنية اقليمية بادارة واشراف اميركيين على اقل تقدير والتأكد من مستقبل نفوذهم خاصة مع نمو النفوذين الصيني والروسي في ضوء علاقاتهما المتطورة مع طهران مما يعني ان اميركا عينها على الصين وروسيا في حالة مراقبة على مستقبل النفوذ على ايران ، وهذا يعني ان اميركا لا تريد ان تدير ظهرها الى ايران ذات الموقع الجيوستراتيجي الخطير على الاطلاق وانما تسعى وتأمل ان تعود اليها في يوم ما لاسيما وان في ايران اصوات غير قليلة حتى من داخل قوى النظام الاسلامي تدعو الى الحوار مع الاميركان وانهاء القطيعة معهم وترى هذه الاصوات ان مستقبل ايران مع الغرب وليس مع الشرق اي مع اميركا وليس مع روسيا والصين . لكل ذلك فان واشنطن لاتريد ان تدخل في صراع مسلح مباشر مع ايران وتقطع كل حبال العودة المحتملة خاصة وانها لاتريد ايضا قطيعة بنزاع مسلح مع شعب يمتاز بروح وطنية عالية جدا وعشق استثنائي لوطنه وان مثل هذا النزاع قد يجرح الكبرياء والشعور الوطني لهذا الشعب الذي تتعامل بكل جدية وحساسية مع عراقته وحضاريته وهنا من المفيد ان نعرف ان ديوان الشاعر الايراني العارف مولانا جلال الدين الرومي من اكثر مبيعات الكتب في الولايات المتحدة الاميركية.
من جهتها فان طهران لا تتراجع عن عدائها للشيطان الاكبر امريكا وتعمل على ازعاجها بمناسبة وغير مناسبة وتتحرش وتضغط على الاميركان باتجاه تطلعاتها واهدافها في المنطقة ولكنها ايضا مثل الامريكان لاتريد ان تدخل مع واشنطن في نزاع مسلح مباشر لانها تعرف اولا معنى تبعات واثار النزاعات المسلحة بسبب ثمان سنوات من الحرب العراقية الايرانية وثانيا انها تدرك ان اميركا قوة عظمى غاشمة وانها تملك من وسائل القوة والدمار ماتستطيع ان تحطم بهما دول وجيوش وعلى هذا وجدت بنظرية الحرب بالوكالة والقوات الرديفة وسيلة لازعاج الاميركان وتهديدهم . وبذلك التقى الطرفان الامريكي والايراني ومن غير ميعاد او موأمرة او اتفاق على قاعدة عدم الرغبة في النزاع المسلح المباشر ومن منطلق الاسباب الخاصة لكل منهما.
وبما ان ايران لا تريد النزاع المباشر مع اميركا وتحاربها بقوى غير ايرانية وامريكا ايضا لاتريد نزاع مباشر مع ايران فقد التقيتا ومن غير ميعاد ايضا على هذا النوع من النزاع المسلح بين الطرفين والذي تكون وقوده دماء غير ايرانية.
وعلى هذا الاساس كان الاعلان الامريكي المبكر عن قرار الضربات الامريكية التي وقعت بعد ايام من الاعلان عنها لافساح المجال لسحب مايمكن سحبه من قوات واجهزة ومعدات من مسرح العمليات وتقليل الخسائر البشرية التي تساعد في خفض شدة ردود الفعل وسحب امكانية توسع الصراع وحصره في دائرة محسوبة وتحت السيطرة وتجنب المواجهة المباشرة بين واشنطن وطهران وان في الوقت الحاضر و حتى عبور ازمة الحرب الاسرائيلية على غزة.