صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تأملات في “الخلطة السحرية”

لم أعتقد في يوم من الأيام أن الحزب الشيوعي، بنسخته الحالية، سيقدم شيئاً يستحق الذكر في الواقع العراقي. والشيوعي مالم يحركه الوعي الطبقي فهو لا يختلف عن أي برجوازي آخر. فشيوعيتنا الحاضرة هي شيوعية ” القمّة”، شيوعية ” الأفندية” مثلما وصفها بدقّة المعلم هادي العلوي. كتبت هذه المقدمة السريعة لكي أوضّح مسافتي، كفرد مستقل، تجاه الحزب الشيوعي.

 غير أن أعادة قراءة تجربة الحزب الشيوعي في ضوء المعطيات الحالية، كحزب آمن بآيدلوجيا معينة شيء، وتحالفاته البرامجية شيء آخر. بمعنى، أن تحالفه مع الصدريين، تحالف خارج أفق العقيدة ويراد منه تطبيق البرامج التي تؤمّن حقوق الشعب العراقي، بصرف النظر عن التقاطع الآيديلوجي الحاد بين الاثنين؛ تيار يتأرجح بين اليمين وأقصاه،وتيار يعنون نفسه بأقصى اليسار بشكل عام.

اتفق الاثنان على أطار جامع، وهو الحقوق العامة للشعب، التي تترجم على شكل برنامج عمل بين الاثنين( وبالمناسبة أن هذا البرنامج لو يطلع عليها شخص من الخارج سيرى النزعة اليسارية في هذا البرنامج). لذا، من وجهة نظري، التي لا اعتقد بصحتها كليّاً، إن تقرّب الشيوعي إلى التيار الصدري إضافة نوعية، وسيوسع من أفق الفرد الصدري، ويمنحه قوّة الانفتاح على الآخر( وهذا أكثر ما يهمني ويشغل بالي).

لقد اتفق الاثنان على تعديل الدستور، والعمل على بناء دولة ديمقراطية مواطنية، وقوام هذه الدولة هو العدالة الاجتماعية، وقد تضمّن برنامجهما الكثير من النقاط التي تؤشر وبوضوح التوجه الديمقراطي الاجتماعي. ومن وجهة نظري القاصرة، أن نقّاد الشيوعي( وهم كتّاب محترمون) بودي لو يوجهون سهام نقدهم نحو البرنامج الذي جمع الاثنين، أما الآيديلوجيا فأظنهم يعلمون أكثر مني، يمكن أن يناقشوها على حدة، وينظرون للوضع العراقي الملتبس، بعيداً عن ” النقاء” و” الجذرية”!.

ربما سيقال، إن هذا الفصل فصلاً حاداً، ولا منهجي إطلاقاً، بين الإطار النظري والصيغة العملية؛ ذلك أن كلاهما يكملان بعضهما، وهذا صحيح تماما، وقد أشار إنجلز على خطورة التفكير النظري، ذلك “أن أوقية من العمل تحتاج إلى طن من التنظير”، فكلاهما تابع للآخر. ولكي لا نخرج من، مضمون المقالة، يمكن الإجابة على هذا الأشكال بإيجاز: فكما قلنا أن من يطّلع عل  برنامج التحالف سيجد بصمات الشيوعي واللمسات الاشتراكية واضحة للعيان( وبالطبع هذه المرة منزوعة من حسّها الثوري الحاد!، لكن على الأقل تنظر للتفاوت الطبقي الحاد وتضعه نصب عينيها)، فإن تمسكوا بها بعيداً عن التنازلات، فلعلها خطوة بالاتجاه الصحيح.

مؤكد أنه لا أحد يمكنه الزعم بأن كل ما خطاه الحزب من خطوات ينبغي التصفيق له، كما ومن غير المنطقي حصر الأشياء بين الشيطنة والتقديس، والنسخة الحزبية المتوفرة الآن قد لاتكون بمستوى الطموح، ولا أظن أحد يجرؤ بالقول للمطالبة بدولة اشتراكية!، وشخصياً أفصل بين الشيوعي وكسله الواضح، وبين تحالفه الجديد، الذي سيجعلنا أشد المراقبين له (كمواطنين)، وإن فشل في مهمّته، ولم يستطع البرهان، عملياً، على صحّة تحالفه مع الصدريين، فسيضاف إلى سجل الإخفاقات التي طالت هذا الحزب في حقبة الاحتلال الأميركي، وسيكشف عن نفسه، فيما لو كان يحركه “الوعي الطبقي”، أم اللهاث نحو السلطة، أو ” رجعيين وحماة لأسوأ أنواع الانتهازية ولنزعة خيانة الاشتراكية” كما يصفها لينين، أو لا هذا ولا ذاك بل هي ” عصيدة انتقائية” كما يصفها أنجلز؟. أللهم إلا إذا كانوا بصدد أصلاح الإطار النظري العام، والانتقال من الثورة إلى الإصلاح؟. ربما اللجوء إلى خيار المعارضة سيخفف من “وطأة التناقضات الحادة” التي يقع فيها الحزب، إن وجدت، ويعصم نفسه من ثنائية الشيطنة والتقديس المنتشرة هذه الأيام.

أقرأ أيضا