تبرع رغما عنك!

إن المعنى الاصطلاحي للتبرع، هو تقديم الأموال النقدية أو العينية، بإرادة حرة، ومن تلقاء نفس المتبرع، وإذا حصل غير ذلك، بأن يتم أخذ جزء من المال دون رغبة من صاحبه، فهنا لا نقول عن ذلك المال المأخوذ أنه تبرع، بل هو ضريبة، أو أخذ بالقوة! ففيما يتعلق بقرار مجلس الوزراء في 19/11/2024 المتضمن قيام وزارة المالية باستقطاع ما نسبته 1% من الراتب والمخصصات والراتب التقاعدي لمؤسسات الدولة كافة تبرعا طوعيا!! يودع في حسابات دعم غزة ولبنان أو على وفق الأولويات التي يحددها رئيس الوزراء!! وفي حال عدم رغبة الموظف أو المتقاعد بالتبرع، فيتم تقديم طلب رسمي الى الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة يبين فيه عدم رغبته في التبرع ليقوم الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بالإيعاز الى رفع اسمه من قوائم المتبرعين.

فنلاحظ أن مجلس الوزراء، افترض مسبقا أن جميع الموظفين والمتقاعدين، راغبون وموافقون على التبرع، لكنه عاد ووضع استثناءً وهو في حال وجود من يرفض التبرع، أن يقدم طلبا رسميا الى الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة، يطلب فيه رفع اسمه من قوائم المتبرعين التي وضعتها الوزارة دون رغبة أو علم المتبرع!! ومن الطبيعي، أن على الموظف أن يسلك الطرق الإدارية ويلتزم بتسلسل المراجع الإدارية في تقديم الطلب، فيتوجه أولا دائرته التي يعمل فيها والتي بدورها ترفع طلبه الى الدائرة العامة، وهذه بدورها ترفع الطلب الى الوزير، ولا نعلم، كيف ستستغرق هذه العملية، خصوصا ونحن نعلم، أن بريد السيد الوزير، قد يستغرق شهورا أو قد لا يدخل له أصلا، بسبب الروتين الإداري والتعقيدات التي يعرفها الجميع، أما بالنسبة للمتقاعد، فلم يبين القرار، لأي وزير أو رئيس جهة يقدم لها الطلب، هل لوزير المالية أم لرئيس هيأة التقاعد؟ أم لوزيره الذي كان يعمل في وزارته. وهل يقدم الطلب الى الوزير مباشرة؟ أم يقدمه الى دائرة التقاعد التي يستلم منها راتبه التقاعدي؟ وبكل الأحوال، فهذا الأمر، ليس تبرعا، بل إجباري، فالحكومة هنا تتولى استقطاع أموال من رواتب الموظف والمتقاعد، رغما عنه ودون موافقته، وإلا فالأصل والأصح هو عدم الموافقة ومن يريد التبرع، يقوم بتسجيل اسمه ضمن قوائم تعدها دائرة الموظف أو المتقاعد، لكن الحكومة يبدو أنها عملت وفق قاعدة الأصل في الأشياء الاباحة! لكن الاباحة لا تكون على أموال الآخرين، بل على ما يثبت عدم تحريمه! وأموال الآخرين، مصانة والتعدي عليها أو على جزء منها محرم قانونا ودستورا وشرعا.

ردود الأفعال، على قرار مجلس الوزراء، كان متباينا، فأحد الناشطين على الفضائيات، أو كثير الظهور في البرامج الحوارية، أطلق تهديدات كثيرة على من يمس فلسا من راتبه! كاتب استخدم شتى العبارات النابية والتي لا يصح ذكرها هنا ولا في أي مكان. أما الصفحات التي تنشر المواد القانونية والآراء التي يكتبها محامون وحقوقيون، اقترحت الطعن بالقرار أمام محكمة القضاء الإداري، وهو رأي قانوني يستحق النقاش والتعليق. لكن الرأي القانوني السديد، أن هذا القرار، مخالف للدستور، وللقانون، والأجدى الطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الاتحادية العليا، كون أن الدستور نص على عدم فرض ضرائب أو رسوم إلا بقانون، وهذا الاستقطاع، بمثابة ضريبة أو رسم، لكونه يحصل دون رغبة أو موافقة من الموظف أو المتقاعد. كما أن المادة 23 من الدستور نصت على أن الملكية الخاصة مصونة. وصيانة تلك الملكية، تقتضي عدم جواز التصرف بها أو بجزء منها، إلا بعد أخذ موافقة المالك، وهنا الحكومة ستتصرف بجزء من راتب الموظف خلافا لإرادته، أما الفقرة الثانية من القرار التي منحت من لا يريد التبرع، تقديم طلب للوزير، فهي محاولة لكسب الوقت، ولإضفاء صفة التبرع، رغم أن الاستقطاع شيء والتبرع شيء آخر، فالتبرع الحقيقي، يكون بعد استلام كامل الراتب، وفي حال أراد الموظف أو المتقاعد التبرع، يمكنه ذلك، أما أن يستقطع من راتبه أولا، وفي حال عدم رغبته بالتبرع، فعليه تقديم طلب، فهذا لا يصح قانونا، ولا يجوز، لأن الموظف هنا، عليه أن يقدم طلبا لأخذ جزء من حق كفله القانون، قام الوزير باستقطاعه دون رغبة منه، والراتب، يستحقه الموظف أو المتقاعد، بشكل تلقائي، بعد توفر شروط معينة، وبمقدار معين، ولا يمكن أن يستقطع جزء منه ومن ثم يجب تقديم طلب للوزير لعدم الاستقطاع! 

أقرأ أيضا