شركات الهاتف النقال في العراق تثار حولها الشبهات الكثيرة إضافة لرداءة خدماتها وارتفاع أسعارها مقارنة بدول الجوار على اقل تقدير، حيث تعتمد دول العالم بشكل كبير على إيرادات الاتصالات لتشكل جزءا من موازنتها العامة، وتتصاعد نسبتها حسب نظام الحوكمة والإدارة الرشيدة الذي تتبعه الدولة ومثال ذلك الأردن على سبيل المثال تشكل إيرادات الاتصالات نسبة كبيرة من موازنته العامة، إضافة الى ان سيطرة الدولة على قطاع الاتصالات يمنحها القوة في الحفاظ على الامن الوطني للبلد.
لكن في العراق الجديد الذي بني ما بعد 2003 واحد أعمدة بناءه الرئيسية هو الفساد، تستحوذ على قطاع الاتصالات فيه ثلاثة شركات هي (زين – اسيا سيل- كورك) لتقدم خدماتها الى المواطنين بأغلى أسعار على مستوى العالم.
ومن المعروف لدى المجتمع العراقي ان هذه الشركات لها كتل سياسية تساندها وتدافع عنها طوال السنوات السابقة، مما أدى الى تمادي هذه الشركات على شركة الاتصالات الحكومية مستخدمة أساليب الترغيب والترهيب تجاه كوادرها لدفعهم الى عدم افتتاح بدالات الاتصالات في معظم المناطق وأحيانا الى تخريب وتعطيل البدالات الصالحة للعمل منها.
ولم تكتفي الشركات المشبوهة الثلاث هذه الأموال التي تحصل عليها دون حسيب او رقيب بل لنقول ان المراقب اسير لديها والدليل على ذلك اختلاف سعر المكالمة في نفس الشركة بين مدينة وأخرى دون ان يكشف المراقب ذلك او يحاسبهم.
بل تغلغلت هذه الشركات الى مجلس النواب في دورة سابقة ودفعته الى التصويت على فرض ضرائب على بطاقات الشحن بنسبة 20% لتقوم تلك الشركات برفع سعر البطاقة وتحميل الضريبة على المستخدم في اكبر عملية نصب واحتيال على الشعب العراقي، لان المراقب اسير لهذه الشركات أولا، ولا يمتلك أجهزة تمكنه من حساب عدد بطاقات الشحن التي تبيعها شركات الاتصالات الثلاث في العراق ثانيا ، وبالتالي نسبة الضريبة التي فرضها مجلس النواب على تلك الشركات يدفعها المواطن لتلك الشركات بشكل مباشر بينما الحكومة العراقية ومؤسساتها لا تعلم كم هي إيرادات هذه الشركات التي لم تسدد الضرائب المفروضة عليها وهي مدينة بمبالغ طائلة للدولة وتماطل بتسديدها.
في تموز الماضي حدثت تحركات وتنقلات تثير الشكوك في هيئة الاعلام والاتصالات ليفاجئ الجميع بتجديد رخص الهاتف النقال لهذه الشركات لمدة 8 سنوات متجاوزين حتى العقود القانونية المبرمة معها التي تسمح بتمديد العقود لمدة 5 سنوات ولمرة واحدة فقط، في الوقت الذي يمر العراق بأزمة مالية كبيرة وهذه الشركات مدينة للحكومة بمبالغ طائلة وتمتنع عن تسديدها لتكافئ بتمديد العقود.
خصوصا وان تمديد العقود كان مميزا من خلال حضور مالك احدى هذه الشركات ليكتشف الشعب العراقي اسمه وصورته ولأول مرة، ليبرم العقود دون أي تعطيل او معوقات متحديا الزمن ووباء كورونا ليحضر بطائرة خاصة من لندن الى بغداد ويبقى فيها 6 ساعات فقط لينجز مهمته بتجديد عقد شركته لـ 8 سنوات لتعتبر أشهر حالة فساد في عام 2020.
حيث ان الكشف عن صفقة الفساد هذه للرأي العام بعد ان نشرت وسائل اعلام خفاياها وصورة المستثمر واسمه الصريح، ليعلن مجلس القضاء الأعلى فتح تحقيق في المخالفات القانونية بملف تجديد رخص شركات الهاتف النقال وتكون محكمة تحقيق مكافحة الفساد المركزية في الرصافة هي من تباشر إجراءات التحقيق ولم تعلن النتائج حتى الان. لكن حتى الان شركات الاتصالات مستمرة بفسادها وتتفنن بسرقة المواطن، رغم مخاطرها الاقتصادية والأمنية.
حيث ان أكبر المخاطر التي تسببها هذه الشركات للعراق هو اختراق امنه الوطني من خلال التنصت على مكالماته لأنه سيرفرات هذه الشركات في بلدان أخرى وهذا يشكل خطرا على الامن الوطني العراقي الذي استباحته هذه الشركات من خلال حفظ سيرفراتها لدى دول لها اجنداتها في العراق ولا يمكن ان نستبعد استخدام هذه السيرفرات من قبل أجهزة مخابراتية لتلك الدول مقابل أموال تتلقاها هذه الشركات التي لا تتمتع بأدنى درجات الشفافية وتثير الشبهات حولها من جميع النواحي.
لذا على الحكومة العراقية صيانة امن البلد أولا بأيجاد حلول سريعة من خلال منع أي شركة اتصالات تحتفظ بالسيرفرات خارج الحدود، وكذلك الغاء مصادرة الشريحة وهو الأسلوب المتبع من قبل هذه الشركات الفاسدة لان الشريحة هي ملك لمن اشتراها وهو يمتلك حق التعبئة من عدمه، وتخفيض أسعار بطاقات الشحن وتكون نسبة 20% تتحملها الشركات وليس المواطن، وتمديد صلاحية الرصيد ليكون شهر مقابل كل ألف دينار رصيد يتم تعبئته، وتوحيد أسعار المكالمة فيما بين هذه الشركات وكذلك تخفيض أسعار خدمة الانترنت وتحسين جودتها، وهذا اجراء مؤقت لتلك الشركات.
لأنه الواجب الوطني والمسؤولية على عاتق الحكومة بتفعيل شركة الاتصالات الوطنية لتكون منافسا لتلك الشركات التي اساءت للمجتمع وسرقت أمواله، وكذلك لحماية الامن الوطني وتحقيق إيرادات مالية عالية توفر أموالا لرفد ميزانية البلد بدلا من الاعتماد على النفط فقط.
وفي حال عدم ظهور نتائج التحقيق خلال 3 اشهر فأن الحل المثالي هو ان تقوم منظمات المجتمع المدني والناشطين والاعلام من خلال اخذ دورهم بالتصدي لهذا النوع من الفساد مستندين الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها العراق عام 2007 من اجل إقامة دعاوى ضد هذه الشركات حتى في البلدان التي يقيم فيها مالكي أسهم هذه الشركات لغرض غلق هكذا أبواب للفساد وردع مرتكبي هذا النوع من الجرائم العابرة للحدود واسترداد الأموال منهم لأنها حق الشعب العراقي سلبت منه بفعل سوء الإدارة والفساد البنيوي للمؤسسات.