صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تحت سقف واحد

بعد عام ٢٠٠١ لقد طالت لوثة التطرف المجتمعات الدينية واللادينية بكافة مكوناتها نواحي الحياة الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية في العالم، فتحول ما كان سائدا من أفكار ومفاهيم ورؤى مما غير نظرتنا للحياة برمتها تبعا لتلك التحديات، بدأت تذوب الهويات الوطنية وكسرت الحدود الثقافية والحدود الجغرافية، وبدأت عولمة الأفكار المتطرفة تنتشر بسرعة انتشار الانترنيت، ترفع القيود إجباريا أمام تسونامي عولمة التطرف وبدأت ملامح مرحلة جديدة تتكون، لا مكان فيه لمن لم يتسلح بالاعتدال والوسطية والمعرفة. وأي إن كان موقفنا من عولمة التطرف فهي حقيقة واقعة يجب التعامل معها بموضوعية وصناعة الوقاية والعلاج والحد من آثارها السلبية ضمن حدود الوطن.

إن الفكر الطارد للتطرف الفكري في العراق بعد عام ٢٠٠٥ مازال في طور التشكل ويحاول اللحاق بتجارب الغرب على مستوى الأدوات والتغيرات العلمية وبواقع مؤسسات التربية والتعليم والمؤسسات الدينية ومنظمات صناعة وبناء السلام العصرية التي تحاول تكييف نفسها مع تحديات كبيرة ومعقدة وانتشار للتطرف الفكري بشكل متسارع لا يستقر، وينبغي ان تكون إدارة برامج تمكين الاستقرار في العراق جزء رئيسي من جبهة التصدي لهذا التحدي.

ويجمع الباحثون العراقيون على أن تطور المجتمع العراقي وتحوله إلى الوسطية والاعتدال مرتبط بدرجة كبيرة بمستوى نضج الشعور والوعي بالمواطنة والولاء للوطن الأوسع، وبالقدرة على التعاون والتشارك خارج أطر الهويات الفرعية التقليدية التي تحفز وتمهد للتطرف بدرجات متفاوتة، وانه يجب تجاوز الولاء العميق لوحدات اجتماعية محدودة كالعشيرة والقومية والطائفة الدينية والتحول إلى وعي الانتماء إلى جسم اجتماعي أكبر تنتصر فيه فكرة الإرادة المجتمعية الهادفة لخير ورفاهية الوطن.

الدمج الرديء لبرامج تمكين الاستقرار مع اليات تمكين الديمقراطية كان سببا في تأخير نجاح عودة النازحين وبرامج صناعة السلام، مشكلة مخيمات النازحين التي كان من المخطط انهائها مطلع عام ٢٠١٨ لا تزال قائمة، ومشكلة المنع القسري للعودة الى المناطق المهجورة التي لم يحدد لها زمن لنهايتها، اخذت بالصعود وبلغت دراجة التخوف من ردات فعل متطرفة تؤسس لخزين استراتيجي من الموارد البشرية محفز ومستعد للانضمام للجماعات المتطرفة تحت غضب الثأر والانتقام والتخادم الفكري او التخادم الوظيفي الاقتصادي.

 

العزلة غير الإصلاحية لم تكن حلا في كل تجارب الشعوب، خاصة اذا كانت العزلة جماعية وللفئات المجتمعية الهشة النساء والأطفال وشيوخ السن، الإدارة العراقية المسؤولة عن برامج تمكين الاستقرار تعمل على التغطية للمواقف السياسية المتطرفة، وهي غير قادرة على إعادة تكوين وتكييف برامجها وفق اليات الحوكمة الرشيدة والعدالة الانتقالية، هي في جوانب منها متحيزة وعابثة، وقفنا كمراقبين على أسباب صعود التطرف الذي انتج وفرخ داعش واخواتها والقاعدة وفروعها، أسبابا لا تزال قائمة، المراقب للشأن العراقي وخاصة من يتابع الامن الفكري، يعلم ان هناك نسخة مخبئة من التطرف التكفيري على وشك الصعود، بعد انهيارها مجتمعيا، فداعش تعزز من مكانتها في العراق، وتنتظر الفرصة التي تحتاجها هذه النسخة المتطرفة لسد الثغرات والفراغات، فقط الفرصة هي الحاجز بينها وبين الظهور، يؤكد ذلك، ما نشرته مواقع داعش الرسمية من مادة فيديوية ضمن سلسلة تجديد وتأكيد البيعات للخلافة المزعومة “العاقبة للمتقين”، توثق تأكيد البيعة من مجموعة عناصر إرهابية من الأراضي العراقية وبلكنة محلية واضحة.

قانون مكافحة الإرهاب العراقي يحتاج الى التوسع وهذا يعتمد على تعريف العراق للإرهاب الذي ليم يتفق عليه لأسباب سياسية وطائفية، طبيعة هذا القانون لابد ان تكون قابلة للتكييف مع العمليات التنفيذية من أجهزة الدولة المعنية في موضوع مكافحة الإرهاب، سواء ان كانت عمليات صلبة عسكرية وعمليات مرنة ناعمة.

هذه التشريعات مسؤولة عن حماية امن الافراد والمجتمعات من التطرف العنيف، على كافة المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية والشخصية والاعلامية والحريات وحقوق الانسان.. وهي مسؤولة عن الاعتناء بالصياغات الهادفة لتك التشريعات.

مدير عام الاستخبارات العسكرية العراقية “الفريق الركن سعد العلاق”؛ أكد في حوار له ان الممارسات المرنة هي عنوان الحرب على الإرهاب، حرب الاستخبارات هذا وقتها، وهذا يكلف الحكومة العراقية التفاف نحو تطوير وامداد منظومة الاستخبارات العراقية باقتصاد يمكنها من تجنيد مصادر مباشرة داخل تلك الشبكات الإرهابية وأيضا رصد نمو تلك الجماعات من حيث الغواية الإعلامية والدعاية الدينية.

العمليات المشتركة العراقية؛ توثق من خلال مجموعة باحثين ينتسبون لها مؤشرات خطيرة عن نقص منسوب الثقة بين المواطن ورجل الامن في المناطق المحررة لأسباب كثيرة أبرزها تعدد مراكز القرار الأمني وعدم احترام القانون والفساد وضعف الانجاز في مشاريع التنمية الاقتصادية..

سياسات الدولة العراقية العامة في مكافحة الإرهاب تعتبر نموذجية وموضوعية الى حد كبير، لكن أدوات تنفيذ تلك السياسيات في مكافحة الإرهاب ميدانيا تعتبر جامدة غير قابلة للتكيف مع تحديات المرحلة وتعتمد على القوة الصلبة التي في الغالب تعتني بقص العشب الضار من فوق الأرض دون مراعاة جذوره التي قد تنمو مرة أخرى.

فلابد من مراجعة أدوات مكافحة الإرهاب الميدانية، من حيث:

– النظرة العملياتية تجاه التهديد وهذا ما تجيد تقديره خلية الصقور الاستخبارية التابعة لوزارة الداخلية.

– أولويات المعالجة وهذه تجيد تقدير مواقفها ومخاطرها عمليات جاهز المخابرات الوطني العراقي.

– صناعة الحلفاء الاقليمين والدوليين وهذا فن تجيده وزارة الخارجية العراقية.

– المناورات السياسية لازالت الدولة العراقية تعاني من ضعف في هذا الجانب لأسباب ترجع الى التوافقات الحزبية.

– توحيد الجهد الأمني الوطني، وهذه مسؤولية تقع على عاتق مستشارية الامن الوطني.

– دمج القوات الخاصة بالمؤسسات الأمنية تحت مسؤولية جهاز مكافحة الإرهاب، مثل الرد السريع والافواج التكتيكية والمغاوير والطوارئ والافواج الرئاسية الخاصة…

– تفعيل تعليمات الامر الديواني ٢٣٧ في الأول من تموز ٢٠١٩، ودمج وترتيب قوات هيئة الحشد وفق سياقات منظومة الدفاع الوطني العراقية.

– مراجعة وزارة العدل لبيئة السجون والاصلاحيات وفق معاير تناسب المرحلة القائمة، بعد انتشار معلومات تؤكد الفساد وخرق حقوق الانسان، وأيضا معلومات تؤشر اهمال الحماية المشددة، ونحن امام عدو يجيد كسر السجون والاقتحامات.

– تمهيد لدخول مسيطر عليه من قبل اقسام الوسطية والاعتدال في هيئات الأوقاف الدينية من اجل ترشيد الخطاب الديني على المنابر ومناهج التربية وتعليم، وانشاء مبادرة لقراءات جديدة للنصوص الدينية.

– برامج تمكين الاستقرار في المناطق المحررة ليست طموحة كفاية في تحقيق العدالة بتوزيع السلطة والثروات وتامين مساحة واسعة لمشاركة المجتمع المدني.

الدروس المستفادة من النصر العسكري الجغرافي على تنظيم داعش في العراق، لا يمكن اعتمادها كنموذج نجاح مستدام وانما هو نصر غير مكتمل وقد لا يكتب له الدوام، بسبب التلكؤ في تنفيذ برامج تمكين الاستقرار والديمقراطية والحوكمة.

إن اتفاق النخب العلمية في تشخيص أسباب التطرف والتطرف العنيف وانتباه الكل إلى مشكلة حقوق الانسان في مرحلة تمكين الاستقرار من حيث هو مواطن فاعل له حقوق وواجبات، إلا أن اتفاقهم في التشخيص لم يكن ليؤدي إلى رصد الأسباب بمنظار واحد، حيث تباينوا في ذلك فكانت الاليات الوقائية والعلاجية مختلفة وأحيانا متناقضة، تاليا هي بحاجة الى مراجعات ونقد وتقييم مستمر.

أقرأ أيضا