صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تصفير الخلافات

منذ أن رحل نظام صدام عن السلطة وتبخرت اذرعه الحديدية، وأنهار سور السجن الكبير الذي كان يلف حياة العراقيين بشكل قسري، ظهرت الى السطح ازمة الوعي والفهم لدى الجيل الذي عاصر زمن التغيير، الشاب الذي نشأ في اسرة تخشى من جارها ومن اقربائها ومن رجل الشرطة والامن والجيش لم يكن بوسعها تقديم المستقبل لاولادها الا بنكهة الخوف والحذر، فاستحالت نظرة الشاب لمستقبله الى قائمة طويلة من الفشل وبصيص امل يعد بنجاح يعاني من كساح اجتماعي.

سقط النظام واستقبل هذا الجيل التغيير بالنشاط والحيوية، كانت الازمة الحقيقية هي في التركة الثقيلة التي كانت تحملها الاسرة وحالما القيت من عاتقها اكتشفت ان الظهر اصبح منحنيا والطموحات صارت من الماضي، حاول العراقيون التعويض وبسرعة لكي يدركوا خلال سنة او سنتين ما تبقى من قدرة للحواس على الترف وفسحة في العيش، لكن الامر لم يكن كذلك لدى الشباب الذي وصلوا الى نشاطهم البدني والذهني لحظة انهيار القيود التي كانت تكبل اسرهم والجيل الذي سبقهم، لم يجدوا قاعدة بيانات تناسب الحدث وليس لاحد قبلهم تلك الخبرة المعتد بها للتعايش مع نظام ديمقراطي، فلقد اصبحوا تحت ضغط الماضي وصوره المعتمة وبين المستقبل الذي يعدهم بجنة الاحلام، لم يحتج الشاب ليثبت فروسيته الى مقارعة نظام فاشستي ولا الى ارتقاء اعواد المشانق، فله ان يحمل بندقية وينتمي الى اي فصيل يعطيه غطاءً اجتماعيا ويصبح تطبيق صور الاكشن التي يتمناها واقعا غير مكلف.

غاب جيل التغيير عن القراءة وانتقل مباشرةً لمواجهة الاحداث المتسارعة وانغمس في ليله ونهاره في تبرير ما يفعل وانتقاد ما يفعله غيره وتوزعت ولاءات الشباب بين التيارات المختلفة ولكن الذي يجمعهم هو غياب الوعي الوطني، الوطن الذي سرقه صدام تم استرجاعه معاقا مرهقا اثخنته الصراعات والحروب، الشباب الذين عاصروا التغيير هو الصورة الواضحة للعراق فهم لا يريدون ان يدفعوا ضريبة نظام صدام ولا ان يتحملوا ضريبة بناء الوطن فالصفة الغالبة عليهم هي استعجال الغنائم واعتياد الانتقاد كسلعة ثابتة للتسويق عم افكارهم.

ما لم يقتنع الجيل الحالي انه امل الوطن في اعمار النفوس التي مزقتها الحروب والفشل والخوف والفساد ومالم يقتنع قادة العراق باعطاء الجيل فرصته الحقيقية والتخلص من عقد الماضي والعمل بمبدأ تصفير الخلافات والانتقال الى مرحلة الترميم فلن تكون امامنا فرصة للنجاح، الظروف التي مرت بالعراقيين لا تشبهها اي ظروف اخرى قياسا بما هي عليه تركيبة الشعب العراقي وموقعه الجغرافي، الامل معقودٌ على الدم الجديد الذي سينشأ بعد كل هذه التجارب اذا ما تحقق الاصلاح الحقيقي على مستوى النفوس اولا والمؤسسات التربوية والدينية ثانيا.

مدون عراقي

أقرأ أيضا