صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تكفير الغناء

لم يكن متوقعا ان تاتي ردود افعال رواد مواقع التواصل الاجتماعي على تلك الدرجة من القسوة في صفحات الفيس بوك ضد شابة موصلية في مقتبل عمرها بعد ان ظهرت في تقرير فديوي لاحد المواقع الاخبارية وهي تغني الى جانب ممارستها لفن الرسم .

الهجمة التي تعرضت لها الفتاة شاركت فيها اصوات عراقية من كل جنس ومذهب ودين دون استثناء ،وعلى الاغلب تنتمي الى معظم اطياف المجتمع العراقي بما في ذلك اصوات لم يكن متوقعا منها ان تنخرط في هذه المهزلة اللاخلاقية مع جوقة حمقى واغبياء ومتخلفين لترفع معهم سكين التطرف متهمة الفتاة (بالداعشية) لانها كانت تغني والحجاب يغطي راسها، خصوصا وانها قد خرجت من مكونات غير مسلمة عرفت باهمية دورها الحضاري في تاريخ العراق القديم والحديث وريادتها في تغيير وتحديث انماط ومظاهر الحياة الاجتماعية العراقية،ولم يكن متوقعا ان تخرج منها اصوات نشاز لانها قد عانت كثيرا من ارهاب الجماعات التكفيرية والميليشياوية قبل غيرها ودفعت نتيجة ذلك الثمن غاليا ،اراوحا ونزوحا وتهجيرا، فجاءت مشاركة مثل هذه الاصوات بغاية السوء لانها لاتليق بالخصوصيةالثقافية والدينية للجماعات التي تنتمي لها ولايمكن ان تمثلها اوتعكس حضورها الجميل في الفعاليات الاجتماعية العامة .

هذه الهجمة التي نالت من الفتاة تنطلق من نفس المنهج الداعشي الذي عمد الى قمع الحريات وكتم الانفاس والاساء لكرامة الانسان، كما تنتمي الى ذات المنطق التكفيري الذي انطلق منه المعمم عامر الكفيشي عندما حرض في احدى خطبه على قتل العلمانيين والاصوات المدنية باعتبارهم كفرة .

إنّ قراءة اولية لتلك التعليقات وردود الافعال المعبأة بالهمجية والتخلف سنخرج من خلالها الى ان المجتمع العراقي مايزال محتقنا بقوى وعوامل ستاخذه في اية لحظة الى الهاوية مرة اخرى، ليعود الصراع الى نقطة البداية عندما بدأت الافكار والجماعات المتشددة تعلن عن نفسها وتفرض حضورها بعد العام ٢٠٠٣ كما لو انها سلطة شرعية تستمد قوتها من سلطة الدين فاخذت تمارس اساليب التضييق والتشديد على الحياة العامة للناس ، فتدخلت كثيرا في تحديد حرياتهم الشخصية في اللبس والمظهر والعادات والاعراف وكان ذلك مقدمة سبقت ما ارتكبته في ما بعد من انتهاكات وجرائم بحق العراقيين بعد ان سيطرت على مدن الموصل والانبار وصلاح الدين.

واذا ما بقيت السلطة والدولة العراقية على فهمها الضيق في النظر الى قضية جذور وعوامل التطرف، واقتصرت رؤيتها في مواجهة هذه المعضلة بالمعالجة الامنية والعسكرية دون ان يكون الاطار الثقافي حاضرا في ستراتيجيتها وبرامجها انذاك سيكون المجتمع العراقي على موعد دائم مع تحديات خطيرة سيخوض فيها صراعا اشد عنفا مما شهده في الاعوام الماضية مع اجيال جديدة من المتطرفيين والتكفيريين.

ادناه رابط التقرير الذي تظهر فيه الفتاة وهي تغني:

https://www.youtube.com/watch?v=Q6vzTEjZwZ8

أقرأ أيضا