صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تمكين المرأة ضد مجتمعها

أتاحَ لي حادث ارتداء “الدشداشة الرجالية” قبل أيام لمجموعة من المتدربات في أحد برامج تمكين المرأة في مدينة الرمادي، الفرصة لتسليط الضوء على برامج ومشاريع تمكين المرأة التي تنفذها الوكالات الأممية والمنظمات الدولية وشركائهما في العراق. وهنا لا أدعي أنَّ الحادث كان منظما من قبل منظمة دولية أو أممية، لكنه جاء في الوقت الذي نحتاجه لتسليط الضوء على برامج تمكين المرأة.

في البدء، أود التنويه إلى أنَّ العراق بعد خروجه من حالة  الطوارئ/ المرحلة الثالثة في شهر آب من عام 2017، تبنت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مرحلة انتقالية، تنتقل فيها من مرحلة الاستجابة الإنسانية الطارئة الى مرحلة الحلول طويلة الأمد التنموية، لكن عملية الانتقال هذه ما زالت غير مكتملة، فالمختصون يعرفون جيداً أن الإنتقال من مرحلة الى مرحلة يؤدي الى تغيير شامل في كم ونوع الإستجابة. وبما أنَّ الاستجابة في العراق كانت منذ عام 2014 لغاية وقت قريب، عبارة عن مساعدات غذائية عاجلة ومساعدات صحية وتعليمية وإيوائية ونظافة ومياه للشرب ومواد غير غذائية، يضاف لها بعض البرامج لحماية المرأة والطفل والنوع الاجتماعي، فقد كانت معظم تخصيصات المانحين الدوليين في تلك الفترة تذهب الى ماذكر أعلاه، مع جزء يسير يذهب الى برامج حماية المرأة وتمكينها.

ومع بدء تنفيذ مرحلة الانتقال الى الحلول طويلة الأمد Durable Solutions بدأَ جزء كبير من تخصيصات أموال المانحين الدوليين يذهب الى برامج حماية المرأة. موضوع حماية المرأة يشمل قضايا الإنتهاكات التي تحدث ضد المرأة والتعدي على حقوقها، هذا الموضوع فيه شقان؛ أحدهما إيجابي، المتمثل بتمكين المرأة مهنياً وثقافياً وتعليمياً وقيادياً ووظيفياً، يضاف لها برامج الدعم النفسي الإجتماعيPSS ، والدفاع عن النفس self-defense والصحة الإنجابية، وهذه المشاريع والبرامج لا غبار عليها ويمكن الاستفادة منها على المدى  القريب والبعيد، أما الشق الآخر، والذي تدور الشكوك حوله، ومن الصعب تقبله في مجتمعاتنا، وخصوصاً القبلية منها، فهو يتمثل بإدعاءات الانتهاكات ضد حقوق المرأة، وهذه الانتهاكات التي تصنفها المنظمات في قائمة طويلة، وتؤطرها ضمن حقوق المرأة التي ينبغي الدفاع عنها، تبدأ هذه القائمة، بالعنف المبني على النوع الاجتماعيGBV  والعنف المبني على النوع الإجتماعي الجنسيSGBV  والعنف ضد بنات المدارس، وزواج القاصرات، والاغتصاب، والعنف العائلي وFGM  ختان البنات، ومسميات أخرى تنسب لحقوق المرأة والتي يعتبرونها واجبة الحماية.

للتوسع أكثر فإن برامج الحماية تشمل؛ البرامج التوعوية، وهي الدورات والورش التي تخص قضايا المرأة، وتشمل أيضاً فتح مراكز لحماية المرأة، هذه المراكز إعتادت المنظمات الأممية والدولية تطبيقها في افريقيا وبعض الدول الأخرى، بعضها يستخدم لإيواء النساء الهاربات من ازواجهن، أومن عوائلهن لمختلف الأسباب وبعضها الآخر يستخدم لأغراض خدمية تثقيفية، الخطر في بعض هذه البرامج سواء التوعوية أو المراكزية إنها بدأت تشجع المرأة داخل المجتمعات في التمرد على القيم والأخلاق الحميدة، وتحاول نسخ تلك البرامج المطبقة في مجتمعات مختلفة، وتطبقها في مجتمعات محافظة، وهذا يعد في نظر مجتمعاتنا وتقاليدنا وديننا في العراق والمنطقة، انتهاكاً صارخاً لقيم المجتمعات بصورة عامة.

الحكومة العراقية، غائبة عن هذا الأمر، المنظمات تعمل بحرية وتبحث عن القصص وتعد الدراسات والمسوحات التي تشخص وجود حالات (انتهاكات) ضد المرأة، تصنفها في منظورها الخاص انتهاكات، لكنها في مجتمعاتنا تعتبر أموراً طبيعية لا تقلل من كرامة واحترام المرأة، وتزود المانحين بنتائج دراساتها واستبياناتها لكي تحصل على التمويل ويستمر عملها. لا أريد هنا أن أتطرق الى وجود مؤامرة غربية لإفساد المجتمعات الشرق أوسطية، لكنه كما يبدو إن الأمر فيه شبهة.

أكرر للأسف فالحكومة ليس لديها القدرة على وقف أو حتى مراقبة برامج المنظمات، والمتابع لما يحدث بدأ يتلمس تأثير تلك الدورات والبرامج على سلوك المرأة في مجتمعاتنا، منها السلبي ومنها الإيجابي حتى نكون منصفين، وأنَّ ما حدث في الرمادي هو أحد المؤشرات على تطور سلوك المرأة، واذا استمر الحال على ما هو دون تقنين لبرامج المنظمات فإن المرأة والمجتمع العراقي المتحفظ سيتحول خلال عشرين عاما الى مجتمع متحرر دون ضوابط أخلاقية، تمارس المرأة ما يحلو لها من الممارسات، وتضيع هوية المرأة الشرقية الإسلامية.

أقرأ أيضا