صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تهديد الأمن القومي العربي في عهد بايدن وترامب

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في 12 تشرين الثاني نوفمبر مقالًا مثيرًا للقلق حول طبيعة التحديات التي يواجهها العالم العربي مع اقتراب نهاية عصر بايدن وبداية عهد ترامب الجديد. وبالرغم من أن المقال يحمل وجهة نظر غربية، إلا أنه قدم صورة شبه واقعية حول كيفية سير خطة واشنطن لمستقبل المنطقة نحو سيناريو مقلق. وقد جادل الكاتب بأن العالم العربي سيشهد مزيدًا من عدم الاستقرار وأن تطلعات الفلسطينيين واللبنانيين لن تكون موضوعًا في أي محادثات تتعلق بالمنطقة.  

مؤخرًا، كرر الرئيس بايدن التزامه تجاه إسرائيل، مؤكدًا أن واشنطن لن تكون راضية حتى يخضع كل بلد في المنطقة لإرادة إسرائيل. وقد تم اختيار المسؤولين عن الشرق الأوسط ومجلس الأمن القومي (NSC) بشكل خاص لإرضاء إسرائيل ورافعي لواء مصالحها. من أنطوني بلينكن وماثيو ميلر في وزارة الخارجية إلى أفريل هاينز وبريت ماكغورك في مجلس الأمن القومي، كان الدفاع عن مصالح إسرائيل هو المبدأ الأسمى.  

يعتقد بايدن أن تشجيع إسرائيل على شن الحرب ضد الفلسطينيين في غزة واحتلال لبنان سيجعل المخططات الأمريكية للمنطقة ممكنة، فقد كانت الحرب، ولا تزال، تُعتبر أداة فعالة لإذلال العرب وضمان خضوعهم الكامل لإسرائيل. وعلى الرغم من أن بايدن يعتبر هذا النهج تحقيقًا لمعتقداته الدينية، إلا أنه في الوقت ذاته يدعو إلى حل الدولتين دون أن يعادي الحكومة الإسرائيلية اليمينية.  

لكن بايدن، خوفًا من أن تخرج الحرب الشاملة عن السيطرة، اختار استراتيجية الصراعات المحدودة. وقد فشلت هذه الاستراتيجية في كثير من الأحيان، حيث تحولت المناوشات الصغيرة في الماضي إلى معارك دامية. وقد رأينا هذا في حالة غزة وعدم الاستقرار المزمن في العراق وليبيا. ولم تكن العواقب فقط غير متوقعة، بل تجاوزت التكلفة الفوائد من حيث الأرواح المفقودة والأموال المنفقة، مما أضر بسمعة واشنطن وجعلها في موقف لا يمكن الدفاع عنه.  

الرئيس المنتخب ترامب يتبع نهجًا مختلفًا، فخطته للمنطقة تعكس وتُظهر تناقضات معتقداته وتقلبات مزاجه. فحتى الآن، يُعرف المسؤولون الذين عيّنهم أو رشحهم في الشؤون الخارجية والأمنية بأنهم متطرفون دينيًا. هؤلاء مدفوعون بمخطط كبير لتحويل المنطقة إلى مكان غير قابل للتطور والنمو الاقتصادي. على عكس بايدن الذي بذل جهدًا كبيرًا لإبقاء أطفال ونساء الفلسطينيين واللبنانيين يقفون في طوابير يطلبون الطعام ضحايا للقصف اللامسؤول، سيقوم الفريق المتطرف للإدارة الجديدة بتوسيع الإبادة الجماعية وتعميق الفوضى.  

وزير الدفاع (بيت هيغسيت) ووزير الخارجية (ماركو روبيو)، بالإضافة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة، معروفون بخطابهم المعادي للعرب والمسلمين. أما الأكثر خطورة فهم مايك هاكابي، الذي سيكون قريبًا سفيرًا للولايات المتحدة في إسرائيل، وإليز ستيفانيك، المبعوثة للأمم المتحدة، وستيف ويتكوف، المبعوث للشرق الأوسط. هؤلاء جميعهم متطرفون مثل وزير الدفاع ووزير الخارجية، ويدافعون عن مصالح إسرائيل أولاً وعلى حساب السكان الأصليين في الأراضي المقدسة وبقية العالم العربي.  

في اختياره للمسؤولين عن صناعة السياسة، خاصة للشرق الأوسط، يتأثر ترامب باعتبارين: الولاء له وحب إسرائيل. وقد أوضح هذا عندما رشح مايك هاكابي قائلاً: “مايك يحب إسرائيل وشعب إسرائيل، وبالمثل، يحبه شعب إسرائيل”. لا يعتقد هاكابي أن هناك مجموعة من الناس تُسمى الفلسطينيين، ويصر على أن الضفة الغربية وغزة هما جزء من إسرائيل السيادية. ويصف نفسه بأنه “صهيوني لا يعتذر، ولا يتغير”.  

بينما تتشكل إدارة ترامب المقبلة، تواجه الدول العربية تهديدًا كارثيًا، وهو تهديد لا مثيل له في التاريخ. وفي تصريحات له نيابة عن ترامب بعد زيارة إسرائيل، قال السيناتور ليندسي غراهام إن الدبلوماسية في المنطقة ستكون أسهل بسبب فوز ترامب. وقال إن الناس في الشرق الأوسط يخافون من ترامب، وأضاف: “إذا كنت شخصًا سيئًا ولم تخف من ترامب، فأنت أيضًا شخص غبي. الأشخاص السيئون والأغبياء لا يعيشون طويلاً”. وبينما يعتبر هذا التصريح مهينًا، إلا أنه يمثل تهديدًا صريحًا للعرب الذين لا يرغبون في الخضوع لإرادة إسرائيل.  

في تشكيل إدارته الجديدة، يبدو أن ترامب يتأثر بشكل رئيسي من قبل المتطرفين الدينيين، سواء كانوا مسيحيين أو يهودًا. هدفهم هو دفع الأحداث في الشرق الأوسط نحو إراقة الدماء والبؤس. هؤلاء المتطرفون الدينيون يسعون إلى جعل العالم العربي مكانًا يتم فيه تنفيذ الخطة الإسرائيلية للمنطقة حرفيًا، وأن من يرفضون الخضوع سيعيشون ليندموا على ذلك.  

في هذه اللحظة من التاريخ، يعتبر صعود التطرف في واشنطن حقيقة واقعة. الدول العربية هي هدف للهيمنة والإبادة. يجب أن تكون التهديدات الإرهابية المتصاعدة في سوريا والدمار في حلب بمثابة تذكير بالطبيعة والعمق للكوارث التي يخطط لها النخب في واشنطن للمنطقة.  

مستقبل المنطقة قاتم. في الواقع، التهديد الذي تواجهه الدول العربية هو تهديد وجودي. ولتجنب ذلك، يجب على النخب السياسية والحكومات العربية أن تقدم جبهة موحدة في الدفاع عن حقوق الشعب العربي في العيش بسلام وكرامة. وهذا يتطلب من القادة العرب أن يعبروا عن مخاوفهم الأخلاقية والمشروعة بشكل واضح وصريح. إن مواجهة العاصفة التي تقترب أمر ممكن، ويجب أن يكون التعبير عن المخاوف بشأن التهديدات الخطيرة لأمن الشعب العربي أولوية. البديل سيكون الفوضى والكوارث.  

عباس ج. علي.. أستاذ متميز في جامعة إنديانا في ولاية بنسلفانيا.

أقرأ أيضا