يتعرض جاسم الحلفي، لهجمة غير منصفة، وغير عادلة، خاصة وإن بعضا من أقسى المشاركين فيها، هم رفاق الأمس القريب، لم يبدأها الدكتور حسن عاكف -كما قد يتصور البعض- وهو لم يهاجم جاسم الحلفي بقدر ما عبر عن وجهة نظر قد يشاركه فيها كثيرون من داخل الحزب الشيوعي وخارجه، مؤداها أن خيار تحالف “تقدم” الذي كان الحزب الشيوعي طرفا رئيسا فيه، قبل تحالفه مع التيار الصدري، كان تحالفا “مدنيا ديمقراطيا” يضم قوى وأطرافا أغلبها مدنية وديمقراطية، كان يمكن أن يحشد أكبر عدد من الناخبين لصفه، فيما لو بقي دون إشراك التيار الصدري المتهم بالمشاركة بالحرب الأهلية من خلال جيش المهدي، والذي ضم أيضا عددا من أبرز الفاسدين في المراحل السابقة، وكان يمكن أن يتشكل التحالف بين الطرفين بعد الانتخابات لتشكيل قوة نيابية مؤثرة بالقرار السياسي، وهذا رأي صحيح إلى حد ما، لكنه يغفل حقائق مهمة على أرض الواقع، منها أن شخصية السيد “مقتدى الصدر” قد تغيرت بالكامل، وبدل أن يصبح هو عقبة في طريق القوى الطامحة لتغيير ألاسس العرقية-الطائفية لتركيبة النظام السياسي في عراق ما بعد 2003، اصبح مساندا لها بقوة، وبدل أن يدافع عن الفاسدين من كتلة الأحرار النيابية-كما تفعل بقية الكتل والأحراب- أبعد غالبيتهم عن الترشح في إنتخابات 2018، والأهم من كل ذلك إنه أضاف زخما لحركة الإحتجاج، حين إعتراها الضعف بسبب طول مدة الإحتجاج المستمرة منذ تموز 2015 ولغاية كتابة هذه السطور، بسبب إن أغلب المحتجين من المدنيين والصدريين هم من الطبقات الفقيرة، التي شكل استمرارها بالاحتجاج عبئا اقتصاديا عليها متمثلا بأجور النقل، وتوفير مواد ومستلزمات لوجستية كل يوم جمعة مثل اللافتات والأعلام العراقية وغيرها، لكنه أعاد لها زخمها حين حث أتباعه ومؤيديه على الخروج مع المحتجين، وكادت الإحتجاجات أن تسقط “العملية السياسية” في مناسبتين، الأولى حين إقتحم المحتجون المنطقة الخضراء وإحتلال بناية مجلس النواب العراقي بتاريخ 30 نيسان 2016 ، والثانية إقتحامهم للمنطقة الخضراء مرة ثانية بتاريخ 20 مايس/ آيار من نفس العام وإستخدام القوات الأمنية الرصاص الحي ضد المحتجين ما أدى لجرح 108 مواطن ووفاة بعضهم الآخر، متأثرا بإصابته، وكان من الممكن أن يتفاقم الموقف أكثرفي المناسبتين، لو كان لحركة الإحتجاج قادة يطمحون إلى السلطة، ولو حدث ذلك كان سيؤدي إلى أحداث دموية لن ينجو من توابعها أي من الطبقة السياسية.
كان جاسم الحلفي حاضرا في أغلب أيام الإحتجاجات، وكان بالإضافة إلى مشاركته وحثه وتحشيده للتظاهرات مدة أسبوع كي تكون تظاهرة الجمعة القادمة أوسع حضورا من التي سبقتها، كان ناشطا وفاعلا في مواقع التواصل الاجتماعي حين يتطلب الأمر رفض مناقشة قانون ما، يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحرية وحقوق الإنسان، مثل قانون “حرية التعبير” سيئ الصيت، وقانون “حق الحصول على المعلومة” الأسوأ صيتا، ولا يخلو لقاء متلفز له من نقد لاذع لطبيعة نظام المحاصصة العرقية-الطائفية، فكان له –بالإضافة طبعا لغيره من النشطاء والقوى المدنية- تاثير بارز في إيجاد تيار مدني اجتماعي متنامي القوة والحضور في الشارع العراقي، الأمر الذي لم يكن ليوجد في بيئة اجتماعية سيطر على وعيها إعلام طائفي متطرف، وما كان تأثير هذا الإعلام سيخفت، لولا مظاهرات ساحة التحرير، التي كان لجاسم الحلفي دور بارز في ديمومتها، فكان على منتقديه، أن يأخذوا كل ذلك بنظر الاعتبار أولا، وأن يسألوا أنفسهم ثانيا -مع تقديري لجلهم- ماذا قدموا لجمهورهم وللتيار المدني أكثر من جاسم الحلفي؟