في الأول من نوفمبر 2017، تم تقديم مقترح يهدد الحقوق القانونية الاساسية للمرأة العراقية في البرلمان العراقي. المقترح كان عبارة عن سلسلة من التعديلات على قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لعام 1958 والذي يحكم الشؤون الخاصة كالزواج، الطلاق، الميراث، ومعظم التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة.
يأتي هذا التعديل في سياق هيمنة التصورات الاجتماعية والدينية الرجعية والصراعات الطائفية وعدم الاستقرار السياسي، فهو في حقيقته تمزيقٌ لقانون الأحوال الشخصية الذي اُعتمد في عام 1959 حيث جمع بين الفقهين الشيعي والسني، وضمن الحقوق الاساسية للمرأة في الزواج والطلاق والميراث. المقترح الجديد أدخل المحاكم الشرعية من خلال القانون الجعفري الذي يسمح بزواج الفتيات اللاتي يبلغن من العمر تسع سنوات.
انتشار زواج القاصرات عبر عقد الزواج خارج محكمة الاحوال الشخصية، مصدر قلق حقيقي في ظل انتشار الفقر منذ زمن الحصار وتفكيك الدولة وانعدام الأمن منذ الغزو الامريكي على البلاد في 2003. وقد قام الكثير من الناشطات النسويات منذ وقت طويل بتحشيد الجهود بشأن هذه المسألة كما تشير هذه الحملة:
https://www.youtube.com/watch?v=bKDB6V86L58&feature=youtu.be
حيث أبدت تلك الناشطات إصرارا على إيضاح أن القانون يتضمن تغيير السن القانوني للزواج في ظل تفاقم الوضع الامني والسياسي القائم الآن.
وفي حال تم فتح المحاكم الدينية الطائفية، وفقا للتعديلات المقترحة فانها ستضعف سلطة القضاة المعنيين بقضايا الاحوال الشخصية. وهذا سيعزز من هيمنة النهج الطائفي الذي اعتبر عاملا من عوامل إضعاف القانون بعد العام 2003، لاسيما بعد صعود وبروز قوى دينية واجتماعية رجعية أثرت بشكل كبير على حقوق المرأة والتصورات الجندرية في البلد.
بضعة محاولات منذ عام 2003:
التحديات التي تواجه القانون 188 لعام 1959 ليست جديدة، فمنذ عام 2003، دفعت الأحزاب السياسية الاسلامية الشيعية التي جاءت الى السلطة عبر قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الى تقديم مقترحات مختلفة تطرح امكانية سن قوانين مبنية على أسس طائفية ورجعية. فهذا المقترح القانوني الجديد اعاد بصيغة مختلفة طرح قرار 137 في عام 2003 الذي تم الغاؤه والمادة 41 من الدستور العراقي الجديد في 2005 التي رفضها المجتمع المدني والحركة النسوية والحقوقيين والقانون الجعفري في 2014.
هذه المحاولات تعتبر قطيعة مع الثقاقة السياسية والاجتماعية التي يمثلها قانون الاحوال الشخصية الذي يوحد السنة والشيعة ويستند الى مفهوم مواطنة متساوية بين العراقيين.
وتعتبر قطيعة مع انجاز مهم للحركة النسوية العراقية التي ساهمت في صناعة هذا القانون في الخمسينيات. رابطة المرأة العراقية تحديداً، ومن وجوهها نزيهة الدليمي، المناضلة النسوية والشيوعية البارزة وأول وزيرة عربية (في 1959) شاركت في صياغته.
فكل محاولات شرعنة الطائفية في قانون الاحوال الشخصية تمثل قطيعة مع ثقافة سياسية عراقية تقدمية تربط المساواة الدينية بالمساواة الجندرية.
النسوة العراقيات يصارعن من اجل “دولة مدنية”
الجدير بالملاحظة، أن جميع هذه المقترحات القانونية لم تحظ بشعبية كبيرة بين العراقيين السنة والشيعة على حدٍ سواء، كما عارض معظم رجال الدين الشيعة ذلك. وقد ادى الغزو الامريكي وإدارة الاحتلال، الى اضفاء طابع طائفي على الهوية المجتمعية، كأساس للنظام السياسي العراقي. وهذا النظام نفسه، تشكّل على يد جماعات طائفية وصلت الى السلطة عام 2003، ولأن تلك الجماعات ترى أن سلطتها السياسية لن تكون ممكنة من دون نظام سياسي قائم على الطائفية، فانها أصرت على اقرار تلك التعديلات.
وهذا النظام، هو بالضبط ما تنشط ضده بعض النساء في المجتمع المدني العراقي من خلال عملية تعبئة واسعة بدأت من ميدان التحرير وسط العاصمة بغداد، وتوسعت لجميع انحاء العراق.
وتعتبر الحركة الاحتجاجية الشعبية التي بدأت في اواخر تموز يوليو من العام 2015، رد فعل غاضب على النظام السياسي والنخبة السياسية التي تحكم العراق منذ 2003 القائمة على أساس الفساد والمحسوبية والتمييز.
وفي مطالبتهم بالدولة المدنية، عبر المتظاهرون عن ادانتهم لادخالهم الهوية الدينية في السياسة.
شبكة النساء العراقيات، ومنتدى الاعلاميات العراقيات، ومنظمة حرية المرأة في العراق، ومنظمات كثيرة في المجتمع المدني العراقي، كلها تركز على اهمية الحفاظ على مدنية الدولة لتحقيق مساواة أكبر بين الجنسين ولتحقيق العدالة الاجتماعية والعرقية والدينية.
أخيرا، فقد تم إطلاق حملة دولية من قبل اكادميين وناشطين Iraqi Transnational Collective لدعم نساء العراق، وتنص على رغبة النساء العراقيات في المزيد من الحقوق، وليس تفكيك حقوقهن المحدودة على هذا الرابط:
https://www.change.org/p/saleem-al-jubouri-stand-with-iraqi-women-defending-their-rights.
د. زهراء علي: أستاذة علم الاجتماع بجامعة روتغرز في الولايات المتحدة، وتختص بالبحث عن المرأة والجندر والحركات الاجتماعية والسياسية الاسلامية في العراق المعاصر والشرق الاوسط عموما، ولديها كتاب قيد الطبع باللغة الانكليزية بعنوان “المرأة والجندرفي العراق: بين بناء الأمة وتجزؤها”، سيصدر عن مطبعة جامعة كامبريدج العام المقبل.
ترجمة: أحمد علاء