صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

حكومة عبدالمهدي.. اضطرار وتسوية

تقترب حكومة عبد المهدي يوماً بعد يوم من لحظة تقديمها لنيل الثقة بسرية وتسريبات متناقضة. إذ نجح السيد الصدر، زعيم التيار الصدري وقائد تحالف الاعمار والإصلاح، في إقناع قائد تحالف البناء هادي العامري، واخذ موافقة تحالفه على الخطوط الأولية لأجندة عمل مشتركة كحد أدنى للدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة التي يتزعمها عبد المهدي. تحالف البناء القريب من مزاج إيران نجح في ضبط إيقاع عملية أختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، وعدم انهيار محادثاته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب عدم ترجيح مرشحهم على مرشح حزب الاتحاد الكردستاني، تحالف البناء يجمع الكتل العربية الأربعة الأقوى (الفتح، والمحور الوطني، والقانون، والنصر جناح الفياض..) قد أدخل البيت السياسي الشيعي في حالة غير معهودة من التحالفات خارج حدود الطائفة، ووضع المكابح في طريق الآمال الكبيرة المعقودة على عملية تغيير كبيرة وجذرية لمفهوم المحاصصة والتكنوقراط الحزبي، حيث يعتبر مطلبا أساسيا لتحالف الإعمار والإصلاح من أجل اعادة هيكلية الدولة العراقية وفق قواعد وتقاليد المهنية والكفاءة، والتوصل إلى توافقاتٍ عراقية حول الرئاسات الثلاثة وملفات حساسة فقط.

“الوزارة نت” التي شجع عليها عبد المهدي وفريقه، جاءت كمناورة شعبوية تبحث عن ثمرة تغيير الصورة النمطية في استحواذ الكتل السياسية المسيطرة على الحكم والتشريعات منذ سنوات، مناورة على مدى ثلاثة ايّام  لإقناع معارضيه الشرسين بفكرة “التكنوقراط المستقل”، لكن هل يستطيع إقناعهم بها، وهل يستطيع إقناعهم ببرنامج عمل لا يملك الإجماع عليه؟ أظن مساحة المناورة التي عنده ضيقة جدا.

خلال بياناته، أصر عبد المهدي على محورية دور التكنوقراط المستقل في هذه الشراكة، ونفيه تحكم التوافقية الناعمة التي جاءت به الى التكليف الوزاري، ولا زال يؤكد أنه لا يحسب على فئة “الفاعل الثانوي”.

مرةً أخرى السيد مقتدى الصدر يؤكد أنه في ظل إسناده لحكومة عبد المهدي القادمة ستكون الحكومة مراقبة بصرامة؛ يختصر إصرار السيد الصدر وحلفائه دقة التوافقات التي تحاول قيادتا البيت السياسي الشيعي التوصل إليها، بين ضغط تحقيق التوازن بين المحور الامريكي والمحور الإيراني كمدخل وحيد لتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي في العراق، والوفاء بالتفاهمات المترتبة على التوافقية الناعمة من جهة، وتفكيك تعقيدات التحديات المحلية؛ البطالة والخدمات والكهرباء والمياه والسلاح السائب..، والأصرار على ضرورة ترتيب مختلف الأولويات الحكومية.

وزارة الخارجية الملف الأول الذي يحظى باهتمام عبد المهدي الخاص، وهو الملف الذي يحتاج الى محاور مباشر يجيد المسايرة وفن الأحتواء والاستجابة العراقية لمطالب الجماهير الاحتجاجية الكبيرة لتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة والعدالة على مستوى توفير فرص العمل والمباشرة في إقامة المشاريع الخدمية الكبرى من خلال استقطاب الدعم الخارجي.

يطرح عبد المهدي مشاركة الجميع بوصفها الضامن الذي سيضغط على الجماهير المحتجة وعلى العشائر والفصائل المسلحة المتحفظة من أجل توفير الدعم للرؤية الحكومية.

الضغوط على عبد المهدي قد زادت خلال الأيام الأخيرة، وتفاقمت مع ظهور تسريبات عن 17 وزيرا تكنوقراط حزبي و5 وزراء تكنوقراط مستقل، منهم 9 لتحالف البناء وحلفائه، هذه القسمة تغضب تحالف الأعمار والإصلاح خصوصًا وأنها تمتلك الإمكانيات التنظيمية بوصفها قاطرة التغيير.

جزء كبير من موقف الإصلاح والإعمار من قضية التواجد الأجنبي والإنفاق العسكري وتعليمات الحشد الشعبي منبعها من رؤية تشاركية المواقف مع تحالف البناء، ويحاول أن يحافظ على بقية تعهدات قديمة تعود إلى رد جميل إيران، التي ترى في التحالف الدولي أداة هيمنة أميركية على السياسة الأقليمية، اداة قد تجعل الحكومة العراقية منحازة لصالح واشنطن ضد محور إيران في المنطقة.

المرجح أن حكومة عبد المهدي تتجه بخطى بطيئة نحو صيغة “استثناء العراق” من العقوبات، وذلك باعتماد أجندة عمل قد تتكأ على تسنم الدكتور العبادي وزارة الخارجية، وتحاول جاهدة أن تتعاطى مع “هات وخذ”، وأن القضايا الخلافية القومية والطائفية سوف تنتهي في موقف المصالحة الوطنية الجادة التي سيتم تغليفها بتعابير إيجابية مشرقة وتبريرها بمقتضيات الضرورة وبراغماتية السياسة المعهودة.

أقرأ أيضا