صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

حكومة وطن أم جماعات؟

يبدو لي أن طرح اسم مصطفى الكاظمي منذ الأيام الأولى لانتفاضة تشرين لم يكن محض صدفة أو اعتباطا وكأنما فصول المسرحية بدأت تكتمل خصوصا مع مشهدي ترشيح علاوي والزرفي ورفضهما وكأن كل الكتل التي تقبع تحت قبة البرلمان كانت متفقة على الكاظمي لاغيره، خصوصا وأن الرجل كان يعمل في الظل ولم يكن له علاقة مباشرة بايران في الوقت الذي أصبح تقبل من تدعمه امريكا مقبولا على اعتبار أن أمريكا باتت لا تشكل خطرا على مصالح العراق مقارنة بايران التي باتت مرفوضة من الشيعة قبل السنة.

المفارقة الغريبة هي أنه بعد أن انتهى دور علاوي وانسحب بطريقة توحي بأنه رافض للتدخل الايراني وسلطة الاحزاب الاسلاموية رغم أنه ابن تلك الاحزاب البار، حيث تربى سياسيا وفكريا وعقائديا في أحضان حزب الدعوة وحركة جند الإمام، ولم يختلف في توجهاته عن العبادي والمالكي، فكان انسحابه مبررا بالضغوطات التي ادعاها والتي مورست ضده من قبل الكتل الكبيرة في البرلمان، علما أنه يعرف جيدا أن لا حكومة يمكن أن تمرر تحت قبة البرلمان ما لم تكن هناك ضغوط وشروط وحصص فالدستور الذي وضع بمباركة أمريكا وإيران ضمن للكتل الكبيرة التحكم في المشهد السياسي العراقي وفرض شروطها، ولو خرج الشعب العراقي بكل طوائفه وتوجهاته وقومياته الى الشارع.

أما الزرفي فكان هو الآخر ورقة أعدت بطريقة ذكية لجس نبض الشارع في من تدعمهم أمريكا لاسيما وأن الرجل يدعي بأنه مستقل وأن جنسيته الامريكية تبعده عن دائرة الهيمنة الايرانية رغم أنه ابن نفس الاحزاب الاسلاموية، وكان أحد عناصرها منذ أن كان يعمل في إدارة إحدى الحسينيات العراقية في أمريكا والتي سلمها إياه عراقيون كانوا معه في معسكر رفحاء، ووصلوا قبله لأمريكا بعد ان فشل في كل الأعمال التي وفروها له، وبذلك سنحت له الفرصة بأن يكون من أوائل الذين حجزوا مقعدا في مؤتمر لندن ومؤتمر أربيل لما يسمى بالمعارضة العراقية في الخارج (قبل 2003) وحين تأكدت الكتل الكبرى أن الشارع لا يبالي في من يكون مدعوما أمريكيا بعكس المدعوم من إيران، خرج من سباق الرئاسة بروح رياضية تاركا المكان للمرشح المسمى سلفا منذ اول ايام الانتفاضة وهو مصطفى الكاظمي.

وحين جاء دور الكاظمي خرج بكل ثقة بخطاب متلفز، كان قد أعد له سلفا القاه بكل سذاجة وبوعود مستهلكة مفادها محاسبة قتلة المتظاهرين وحصر السلاح بيد الدولة، وهو يعلم جيدا بأنه لا ولن يستطيع تحقيق أي منها، فالموضوع تقف وراءه فصائل مسلحة تسيطر على مقاليد الامور، ولا أحد ينجو من بطشها.

إن الكاظمي ليس سوى نقطة صغيرة في تفاصيل تلك اللوحة المتشعبة، ليغطي فراغا معينا ليس إلا, وما يؤيد ذلك زيارته لمقر هيئة الحشد الشعبي، في الوقت الذي كان عليه أن يقلم أظافر بعض الفصائل المنفلتة التي لم يتجرأ عبد المهدي على محاسبتها, والأنكى من ذلك أن الكاظمي قد بالغ في إظهار ولائه بارتداء قميص الهيئة، في اشارة واضحة تظهر هيمنة بعض فصائلها عليه وعلى المشهد السياسي العراقي بكل تفاصيله منذ دخولها تحت شعار فتوى الجهاد المقدسة التي لا يتجرأ أحد مهما علا أو دنا أن ينتقدها لأنها دخلت في حيز المقدس.

لقد أثبت الكاظمي أن حكومته ليست حكومة وطن، وليست ولية الدم الذي سال في انتفاضة تشرين، وإنما هي حكومة ترسيخ الطائفية وحكومة القضاء على كل أمل في أن يستقر العراق على المدى القريب، وإن نجحت في كسب ثقة البرلمان فان ذلك النجاح الممنوح مسبقا قد فضحته تصرفات الكاظمي الذي سيؤدي دوره المرسوم له في تقوية شوكة بعض الجماعات وزيادة سطوتها، لكي يشرعن بطشها في المرات القادمة إن خرج الشعب الى الشارع مرة أخرى، الأمر الذي سيبقي العراق كرة تتقاذفها القوى الكبرى والدول الإقليمية من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى ليكون حلم الشعب في الوطن حلما بعيد المنال.

أقرأ أيضا