صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

حماس في العراق.. زلزال استراتيجي

بعد الإعلان عن مغادرة حركة حماس، لقطر وتوزع قياداتها بين دول عدة منها روسيا، تواردت أنباء عن فتح مكتب سياسي للحركة في بغداد، دون أي بيانات رسمية تؤكد أو تنفي الخبر.

وتزامناً مع اتساع التحديات ومخاوف انتقال الصراع بين حماس والكيان الإسرائيلي، إلى مديات أكبر، فهذه الخطوة قد تفسر أمريكياً بأنها نصر سياسي لإيران، إلا أن القلق الأعمق من مستقبل الحركة على الأراضي العراقية يتشكل في حال اتساع نشاطها، ما قد يمثل إحراجاً كبيراً للعراق الساعي لإنهاء مهام التحالف الدولي، المتواجد قرب المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني.

يأتي ذلك فيما يلوح في الأفق سيناريو دمج حماس بمجموعات أخرى عابرة للحدود، لاسيما جبهة الإخوان المسلمين في الأردن، والذي يبدو هدفاً استراتيجياً لـ”المقاومة” ويندرج ضمن مساعيها لتوحيد الساحات من أجل تشكيل جبهة ضغط جديدة شرقي إسرائيل، حيث أشار بيان سابق للمقاومة العراقية استعدادها لـ”تجهيز المقاومة في الأردن، بما تحتاجه من أسلحة ومسيرات ومعدات “تكفي 12 ألف مقاتل”، وليس عليهم سوى الحصول على موافقة حماس فقط.

وهذا يثير سؤالا حول امتلاك “المقاومة العراقية” خطوط نقل برية جاهزة إلى الأردن، أو عبر أنفاق قد تمتد للداخل الأردني، وهو ما قد يكون مرجحا بعد ترك تنظيم داعش لآلاف من أنفاقه التي كان يتنقل عبرها في تلك المنطقة خلال سيطرته على مدن عراقية واسعة، ما قد يجعل إعادة استخدامها وتوسيعها ممكنا، في ظل الرصد الجوي للتحركات فوق الأرض واستمرار عمليات القصف من قبل القوات الأمريكية للشاحنات التي تعبر الحدود العراقية السورية منذ اندلاع طوفان الأقصى وبتركيز أعلى من السابق.

يأتي ذلك، وسط تعاطف جماهيري مؤثر على الساحة الأردنية، ومناخ مهيأ لإمكانية نشوء جماعات مسلحة مناصرة للقضية الفلسطينية، بغض النظر عن جهة التسليح، خصوصا لو جاء الأمر بواسطة ومباركة حماس التي دعت لتظاهرات داخل الأردن في وقت سابق، وتسببت بأزمة محلية أدت لمواجهات مع قوات الأمن، فيما تسعى إيران حاليا لرسم معالم جديدة لإدارة الصراع وتحقيق مكاسب أوسع في ملف تقليص العقوبات الاقتصادية وملف التخصيب. 

وفي حال تحقق ذلك التطور، سوف يكون عائقاً أمام تحقيق المشروع الاستراتيجي والاقتصادي الحيوي الذي يفكر العراق بإنشائه بمشاركة دول أجنبية وعربية وإقليمية فاعلة، وهو طريق التنمية الدولي، لأن من غير الممكن تهيئة أرضية لهكذا مشروع بوجود توترات أو صراعات وزرع بؤر اشتباك مسلحة في مناطق مروره.

وفيما ترفض إيران استقبال قادة حماس، خشية استهدافهم، تبدي تركيا استعدادها لبقاء طويل الأمد لهم وتزويدهم بجوازات سفر تركية، وهذا يعزز الخطوة العراقية لإعادة نشاط حماس السياسي في العراق، حيث يبقى لهذه التحركات حسابات سياسية عديدة نظراً لاختلاف المعايير بين الدول، فالعراق حليف إيران الراعية لدول محور المقاومة، وتركيا مكون أساسي لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة وشريك اساسي بمشروع التنمية العراقي.

مثل تلك التحركات ستكون محفوفة بالمخاطر، لأنها تعني دخول العراق رسميا في صراع المحاور، وهذا لن يُقابل بهدوء دبلوماسي أمريكي، كما أن إثارة مخاوف الجيران وبالأخص الأردن، التي تشهد حدودها مع العراق تحشيداً عسكرياً أمريكياً بعد ضرب قاعدة البرج 22، داخل حدوده، وهذا سيجعل من الضروري للحكومة العراقية والقوى السياسية المعتدلة، تبديد المخاوف وإثبات حسن النوايا تجاه دول الجوار، والدول الغربية، والتركيز على إنجاح مشاريعها الاستراتيجية التنموية التي من شأنها تحقيق استقرار مستدام للعراق والمنطقة.

أقرأ أيضا