جاء خطاب رئيس الوزراء الأسبق وأبرز زعماء الائتلاف الحاكم “الإطار التنسيقي” نوري المالكي، جاء ليؤكد مجددا أن شجرة الصفصاف لا يمكن أن تطرح تفاحاً. فالطائفي الانعزالي سيبقى طائفيا انعزاليا ولن يكون سياسيا وطنيا ديموقراطيا مهما لطخ وجهه بسخام الشعارات لأن ذلك يعني أنه سيخرج من جلده وينتحر سياسيا! لنقرأ هذه الفقرات من خطابه أولا، ثم نعود إليها محللين: “حول سوريا، أشار المالكي إلى أنه تم استهداف أتباع أهل البيت ويوميا نشاهد مقاطع فيديو عن مجازر تطالهم”، مبينا أن “الاخوان في سوريا يبعثون فيديوهات يستنجدون.. أين شيعة العراق والحشد الشعبي وإيران وأين العشائر”. ثم يضيف وبلهجة تحريضية رخيصة بأن المعتدين “لم يسفكوا الدماء فحسب، بل اعتدوا حتى على الأعراض”، متسائلا: أليست هذه فتنة كبرى.. إن لم نقف أمامها ستعم هذه الفتنة حتى العراق“. وأخيرا يهدد المالكي بامتشاق السلاح فيقول إن “الطائفيين والبعثيين” بدأوا يتحركون في غفلة من الأجهزة الأمنية، لكنه أضاف: “مادمنا موجودين والسلاح بيدنا، فسيندمون“. ماذا يمكن أن نستنتج من هذا الكلام؟ نستنتج الكثير ومن ذلك مثلا:
1- إن رئيس مجلس الوزراء الأسبق، وزعيم التحالف الحاكم اليوم، يستقي معلوماته من فيديوات على شبكة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي وليس من مصادر أمنية رسمية أو من وكالات أنباء رصينة وهذا يعطينا فكرة واضحة عن نوعية الساسة العراقيين في الحكم اليوم.
2- من الواضح أيضا أنه يتكلم باسم طائفته الشيعية ويحرض الساسة والناشطين المنتمين إليها على نجدة أمثالهم في سوريا وهذا يعني أنه لا يمثل العراق ولا شعبه وما كان ينبغي السماح له بأن يحكم العراق التعددي المتنوع. ولكن حكام العراق كلهم ينطقون بأسماء طوائفهم وإثنياتهم ويصلون الى الحكم بصفاتهم الطائفية هذه بموجب الدستور المكوناتي النافذ وليس بفضل كفاءتهم ومواهبهم فهم لا يملكون من المواهب إلا موهبة الخمط بالجملة والمفرد!
3- يتضامن المالكي مع ضحايا المجازر والاعتداءات الطائفية والتكفيرية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد الاستبدادي ووصول جماعات المسلحين التكفيريين إلى الحكم، ولكن ليس كمواطنين سوريين في بلد شقيق مجاور بل كـ “أتباع آل البيت”. هنا يسطع الفرق بين السياسي الطائفي المعبأ بالفتن والأوهام والمجازر وبين السياسي الوطني الديموقراطي الحقيقي! علما أن المتابع لما يحدث في سوريا يعلم أن الضحايا السوريين ليسوا في غالبيتهم من طائفة الشيعة الإمامية كما يوحي كلام الملكي بل من طائفة أخرى.
4- يركز المالكي على خصمه ومنافسه على كرسي الحكم والذي يعشعش في وعيه ولا وعيه أي شبح حزب البعث العراقي. وهذه المرة لا يستخدم المالكي فزاعة البعث كما اعتاد أن يفعل في الموسم الانتخابية بل للتحريض والتحشيد الطائفي والتخويف، تخويف العراقيين الشيعة تحديدا.
وهذا يعني أن المالكي ونظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية فشل في القضاء على هذا الحزب بعد ربع قرن تقريبا من الإطاحة به. المالكي لا يريد أن يفهم أن العراقيين في غالبيتهم الساحقة لا يؤيدون البعث حبا في سواد عينيه، وهم لم ينسوا يوماً جرائم البعث ومقابره الجماعية، بل لأنهم يبحثون عن بديل لجحيم حكم الطائفية السياسية الفاسد التابع للأجنبي، وخصوصا في ظل انعدام أي معارضة شعبية ديموقراطية حقيقية، وبعد أن تفسخت الشخصيات والجهات الانتهازية التي استولت على تراث انتفاضة تشرين المجيدة أثناء حكم مصطفى الكاظمي.
إن المالكي بنظام حكمه الفاسد هو المسؤول عن إعادة إحياء جثة البعث إن حدث وعادت فعلا إلى الحياة بفسادهم وبقضائهم العنيف على بديل البعث وبديلهم حين قتلوا المئات من شباب العراق في انتفاضة تشرين 2019.
5-المالكي يلوح بسيف القوة، ناسياً أنه كان القائد العام للقوات المسلحة والجيش الذي شكلته له واشنطن في عهد أوباما وكيف هزم في معركة كاريكاتورية أمام مئات السيارات الداعشية ذات الدفع الرباعي وخسر العراق حينها ثلث مساحته. وهو يتحمل شخصيا ما حدث بعدها من مجازر وخراب في مقدمتها مجزرة سبايكر التي ستظل ملتصقة بجبينه إلى أبد الآبدين! المالكي يراهن مجددا على هبة شعبية تنقذ نظامه مثل هبة التطوع الشعبي في صيف 2014 وهذا رهان فاشل فالشعوب تتعلم من دروسها وحتى لو انتفض العراقيون مجددا بذلك الحماس والاستعداد المذهل للتضحية من أجل العراق – وليس من أجل ديوك الطوائف – فقد يبدأون بمحاصرة وتفكيك حكم المحاصصة الطائفية والعرقية أولا!
6-كان ينبغي أن تتحفظ حكومة بغداد وتتريث في تعاملها مع الحكم الجديد في دمشق منذ البداية، خصوصا وأن رأس النظام الجديد أبو محمد الجولاني – الشرع – شخص تكفيري معروف لها جيدا ومتهم بارتكاب المجازر بحق العراقيين. ولكن الحكومة أوفدت وفدا بقيادة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري فاستقبله الجولاني حاملا مسدسه البائن خلف سترته، وكأنه يقول له ولحكومته ها أنا ذا لم أتغير كثيرا معكم!
7-إن المالكي وأمثاله ونظام الحكم القائم على أساس الطائفية السياسية والتوافقية بين الفاسدين يحمل الفتن كما تحمل السحب الصواعق وإن العلاج الوحيد والممكن هو تفكيك هذا النظام واستعادة استقلال وسيادة العراق وليس في إطلاق المزيد من التهديدات بفزعة طائفية أو عرقية أو عشائرية.
*رابط لتوثيق خطاب المالكي: