صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

خطبة الإنذار الأخير

وجّهت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، المتمثّلة بالسيد علي الحسينيّ السيستاني، الجمعة (27 تموز 2018)، عدداً من المقترحات للحكومة المقبلة.

وقالت على لسان ممثّلها في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة: «…اليوم وبعد كل ما وقع في الاسابيع الماضية من اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الامنية والممتلكات العامة والخاصة وانجرارها – للأسف الشديد – إلى اصطدامات دامية خلّفت عدداً كبيراً من الضحايا والجرحى، فإنّ من الضروري العمل في مسارين:

(أولاً). أنْ تجدّ الحكومة الحالية في تحقيق ما يمكن تحقيقه بصورة عاجلة من مطالب المواطنين، وتخفف بذلك من معاناتهم وشقائهم ».

والمرجع هنا يشير إلى ما يلي:

1. أنّ المرجعية تعتبر التظاهرات مستمرّة واقعاً من خلال الرفض الشعبي لأخطاء الحكومة.

2. أنّ المرجعية تدعو إلى استمرار التظاهرات سلمياً، وفق الدستور لحفظ العملية السياسية ولمواجهة الفساد، وهذا يعني أنها مازالت متحمّسةً ومتمسّكةً بالعملية السياسية.

3. أنّ المرجعية ما زالت تمنح الأمّة الشرعية في التظاهرات.

4. أنّ المرجعية تدرك أنّ بعض السياسيين يحاول إفشال التظاهرات لأنها تتعارض مع مصلحته، وتكشف الأخطاء التي ارتكبها، لذا فإنّ المرجع يريد أنْ يرد على من يدّعي انتهاء تظاهرات الفقراء، ويؤكّد أنها باقية.

5. أنّ المرجعية في كلامها أشارت إلى الجماهير بضرورة الاستمرار بالتظاهر حتّى تكون ورقة ضغط بيده، ومبرراً ليقوم بإصلاحٍ جذري، خصوصاً أنه عازم على الحلّ الجذري بإزالة كلّ الطبقة السياسية الفاشلة، لذا حذرهم آخر تحذيرٍ له.

(ثانياً). قال: «إنْ تتشكل الحكومة القادمة في أقرب وقتٍ ممكن على أسس صحيحة من كفاءات فاعلة ونزيهة، ويتحمّل رئيس مجلس الوزراء فيها كامل المسؤولية عن أداء حكومته، ويكون حازماً وقوياً ويتسم بالشجاعة الكافية في مكافحة الفساد المالي والإداري – الذي هو الأساس في معظم ما يعاني منه البلد من سوء الأوضاع – ويعتبر ذلك واجبه الأوّل ومهمته الأساسية، ويشنّ حرباً لا هوادة فيها على الفاسدين وحماتهم. وتتعهد حكومته بالعمل في ذلك وفق برنامج معدّ على أسس علمية يتضمن اتخاذ خطوات فاعلة ومدروسة ومنها ما يأتي:

 1. تبنّي مقترحات لمشاريع قوانين ترفع إلى مجلس النواب، تتضمّن إلغاء أو تعديل القوانين النافذة التي تمنح حقوقاً ومزايا لفئات معيّنة، يتنافى منحها مع رعاية التساوي والعدالة بين أبناء الشعب».

وهذا يعني ما يلي : أنّ المرجعية أشارت بوضوح إلى ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة عاجلاً، وقد حدد صفاتها ومهامها، من محاربة الفساد، وفتح كلّ الملفّات و أنْ يتولّى رئيس الوزراء هذا الأمر.

وهنا إشارة واضحة إلى أنّ كلّ الحكومات الموجودة غير مرضى عنها، بل السيد يدعو إلى حكومة جديدة تنهض بهذه المهمّة، سيّما أنّ المواصفات التي ذكرها لا تنطبق عليهم من أعلى مستوى قيادي إلى أدنى الدرجات الخاصّة؛ لذا فهو يريد قلعاً وتغييراً لكلّ هذه الطبقة السياسية.

(ثالثاً). قال: «تقديم مشاريع قوانين إلى مجلس النواب بغرض سدّ الثغرات القانونية التي تستغلّ من قبل الفاسدين لتحقيق أغراضهم، ومنح هيئة النزاهة والسلطات الرقابية الأخرى اختيارات أوسع في مكافحة الفساد والوقوف بوجه الفاسدين».

إنّ المرجع يدعو إلى ما يلي:

1. منح الحكومة اللّاحقة – التي هي قطعاً ليست هذه الحكومة بل في ذهن السيد شخصيات أخرى – قوانين تمكّنهم من محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين.

2. أكّدت المرجعية على أهمّية أنْ يشمل التغيير الحكومة والقوانين وليس الدستور، وهذه التشريعات يتولّاها البرلمان.

(رابعاً). وقال: « تطبيق ضوابط صارمة في اختيار الوزراء وسائر التعيينات الحكومية ولاسيما للمناصب العليا والدرجات الخاصة بحيث يمنع عنها غير ذوي الاختصاص والمتهمون بالفساد ومن يمارسون التمييز بين المواطنين بحسب انتماءاتهم المذهبية او السياسية ومن يستغلون المواقع الحكومية لصالح انفسهم أو أقربائهم او احزابهم ونحو ذلك».

وهنا يمكن القول ما يلي :

1. إنّ المرجعية لم تبق أحداً من هذه الطبقة، بل شملت الأغلب منهم بأهمّية الخروج عن الحكم.

2. حمّل هذه الطبقة الحكومية كلّ المسؤولية في ما بلغته البلاد والأحداث، وأنّ بقاء الكثير منهم يعني زوال للدولة العراقية، فالمصلحة توجب برأيه زوالهم.

(خامساً). وقال: «الإيعاز إلى ديوان الرقابة المالية بضرورة إنهاء التدقيق في الحسابات الختامية للميزانيات العامّة في السنوات الماضية، وجميع العقود والتخصيصات المالية للأعوام السابقة على مستوى كلّ وزارة ومحافظة، وضرورة الاعلان عن نتائج التدقيق بشفافية عالية لكشف المتلاعبين بالأموال العامّة والمستحوذين عليها؛ تمهيداً لمحاسبة المقصّرين وتقديم الفاسدين للعدالة».

وهنا نرى أنه من المؤكّد أنّ المرجع هنا يدعو بوضوح إلى :

1. حكومة ذات مواصفات من الضبط والإدارة والعزم على بناء الدولة وبمواصفاتها، فيكون الحكم واضحاً أنّ المرجع حَكَمَ على جميع الحكومات السابقة بالفشل، ويدعو إلى حكومةٍ غيرها أشدّ بأساً وقوّةً وقدرةً على بناء الدولة العراقية.

2. ويدعو إلى تغيير القوانين لسدّ الثغرات على الفساد وعلى المحسوبية والمنسوبية.

3. كما أنه يدعو إلى بقاء العملية السياسية والانتخابات مع خلق ضوابط لتحصين العمل الانتخابي،أي أنّ المرجع يفصل بين إصراره الأكيد على زوال الفاسدين من العملية السياسية وبين تمسّكه الشديد بالعملية السياسية، والتي يريد التغيير الجذري بالطبقة الإدارية حفاظا على العملية السياسية والدولة والدستور.

(سادساً). وقال :«وعلى مجلس النواب القادم أنْ يتعاطى بجّدية مع جميع الخطوات الاصلاحية، ويقرّ القوانين اللازمة لذلك. وإنْ تنصلت الحكومة عن العمل بما تتعهد به أو تعطّل الأمر في مجلس النواب أو لدى السلطة القضائية فلا يبقى أمام الشعب إلّا تطوير أساليبه الاحتجاجية السلمية لفرض إرادته على المسؤولين مدعوماً في ذلك من قبل كلّ القوى الخيّرة في البلد ».

وفي الختام يمكن القول:

1. إنّ المرجعية مصممة على الحلّ الجذري.

2. إنّ المرجعية تدعو البرلمان إلى أداء دوره.

3. إنّ المرجعية يدعو الشعب العراقيّ الاستمرار في تظاهراته وتطوير الأساليب في الدفاع عن حقوقه من اعتصامات وغيرها. وفي حال لم يتحقق التغيير في تشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ وطنيةٍ تعالج الفساد بصدقها وقوّتها فإنّ للمرجعية موقفاً آخر سيصدر.

وما هذه الخطبة إلّا تحذير أخير، هذا ما يدلّ عليه قوله في الختام : « وعندئذ سيكون للمشهد وجهٌ آخر مختلفٌ عمّا هو اليوم عليه، ولكن نتمنى أن لا تدعو الحاجة الى ذلك ويغلب العقل والمنطق ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسؤولية وبيدهم القرار ليتداركوا الأمر قبل فوات الأوان، والله المسدد للصواب».

في الختام: تُرى ما هو المشهد السياسي، وما هو الوجه الذي تخطط له المرجعيّة، ويهدد به حال عدم الاستجابة، متمنيا على السياسيين عدم إيصال الأمور له؟. قطعا إن المرجع لا يمكن أن يسحب الشرعية عن الدستور، ولا عن العملية السياسية، بل سيكون له موقف واضح ضدّ السياسيين.

أقرأ أيضا