بعد سقوط النظام السابق وانفتاح العراقيين على العالم الخارجي، اكتشفنا تخلفنا من الناحية الطبية، بل لا يمكن أن نقارن بالبلدان المجاورة لنا حتى، فهي تملك مؤسسات صحية أفضل بكثير، وكان الأمل بتغيير النظام أنه سينقل واقعنا نقلة نوعية نشهد من خلالها بناء مستشفيات ومراكز صحية متطورة ومصانع أدوية ومستلزمات طبية، لكن ما حصل هو العكس تماما، فقد حصل إهمال واضح لهذا النوع من المؤسسات، وانتكس حال المنشئات التي تم تشييدها في العقود السابقة، حتى باتت بوابة من بوابات الفساد الكبرى في العراق، وتم إنفاق مليارات الدولارات عليها خلال 17 عاما، من دون أي انجاز يذكر أو يتناسب مع مقدار المخصصات.
كان متوقعا لهذه المؤسسات الصحية أن تنهار في أول اختبار ومع أدنى أزمة، وهذا ما حصل الآن، حيث فقد الأوكسجين من مستشفيات بعض المحافظات الجنوبية، وظهرت أعطال أخرى في مفاصلها مثل المصاعد الكهربائية، ونقص الأدوية، وشحة الأسرة، بل حتى الكفوف والكمامات أو البدلات الواقية بالنسبة لخط الصد الأول من الكادر الصحي التي فقدت منذ البداية.
تم تسليط الأضواء على الأزمة بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بسبب جائحة كورونا التي كشفت عورات القطاع الصحي في العراق، إلا أن ذلك لا يعني أن السنوات السابقة كانت تشهد وضعا أفضل، بل إن نقص الأجهزة والمعدات الطبية وسوء الخدمة، وتهريب الأدوية، وعدم توفير الحماية اللازمة للأطباء، كلها ملفات كانت حاضرة.
ومن أجل معالجة هذه الملفات، ولاسيما في محافظة ذي قار التي شهدت حالات وفيات بسبب النقص الحاد بالاوكسجين لمرضى كورونا، بات على الحكومة اتخاذ خطوات عملية للحد من هذا التدهور، أولها إقالة كل من المدير العام لصحة المحافظة، ومدير مستشفى الحسين التعليمي، والتحقيق في أسباب العطل بمعامل الأوكسجين التابعة للمستشفيات الحكومية في المحافظة، وعملية شرائه من المعامل الأهلية، بالإضافة الى تكثيف الرقابة الحكومية الخاصة بشأن معالجة الخلل، ومتابعة إيعاز رئيس الحكومة لوزارة الصناعة بتشغيل كافة المصانع المتاحة لسد حاجة المستلزمات الصحية، وتصنيع المواد الطبية اللازمة داخل العراق، وتوفير البيئة الآمنة للكوادر الطبية، وتسهيل عملية الاستثمار في مجال الصحة.