صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

خليجي البصرة يرمم روح تشرين

انتفاضة “تشرين” الحية، شوهدت في مدرجات ملعب جذع النخلة، وهي تهتف عالياً بحب الوطن، لقد ظهرت في وجوه 65 ألف مشجع، “تشرين” الحقيقية التي ظنوا أنهم أجهزوا عليها يوماً ما، شكلت بجنون قطعة فسيفساء حقيقية مشغولة بالشغف.. 65 ألف مجنون بحب العراق اتحدوا تحت برودة الطقس، ووقفوا تحت الأمطار، ولم يكفوا عن الهتاف بصوت واحد (بالروح بالدم نفديك ياعراق)، كان هذا إعلانا للحياة في بلدٍ يراد له أن يموت.

عندما تتحول البصرة وملاعبها إلى وطن

مَن منا ينسى عبارة (نريد وطن) رفعها المحتجون طويلاً في ساحات الاحتجاج وترجمت هذه الأيام بواقعية في البصرة، فهذا كورنيش العشار الساهر حتى ساعات الصباح الأولى تتجلى فيه صورة الوطن المنشود، صخبُ هو الأشد انتظاماً يرقص فيه ابن الجنوب الذي يعتمر عقاله العربي على وقع أنغام الدبكة الكردية، بينما يرقص ابن كردستان رقصة الچوبي الغربية، وينظم ابن بغداد الأهازيج والهوسات الجنوبية، ويتبادلون الأدوار، إذ لا فرق هنا فـ”الدنيا بصرة”.

أما في الملعب فلم يكتف أحد بالهدفين في شباك المنتخب السعودي، ولا الأهداف الخمسة في مرمى منتخب اليمن، فكل الحاضرين داخل الملعب سجلوا أهدافهم، وحتى من لم يحضر سجل هو الأخر هدفه من شاشة تلفازه 40 مليون هدف في مرمى الحرب والقتل والمفخخات والجوع والفقر والفساد والمخدرات والذلّ اليومي المعاش، نسجل أهدافنا ونبكي فرحاً وكأن مظفر النواب حضرّ معنا وفي شعره “لماذا العراق بعيد ..وكل البكاء هنا”.

كرم البصاروة.. وحديث ألف ليلة وليلة

شغل كرم البصاروة وتناقل صوره عراقياً وعربياً .. لكن من عَرف أهل البصرة من حالفه الحظ بمشاطرة شاطئها الأسرار من عرفهم عن قرب من لمس إيمانهم الدائم بعراقيتهم من إستمع إلى أحاديثهم وهم يتسابقون للتضحية بأنفسهم بأولادهم ببيوتهم بكل مايملكون فداءً لبلدهم مَن تعرف على أهلها النابضين بالأمل، هؤلاء الذين يخلقون فرحاً من فراغ، يبثون في ضيوفهم طاقة أمل وتفاؤل يستمدونها من العدم حتى! من شعر بأمان وطن بحضن عائلة لن يستغرب هذا الكرّم الذي ألتف على الجدار الحكومي المستقر على طول الطريق المؤدي إلى الملاعب، ١٥ كم أخفت خلفها قصص الصمود المعاش في عشوائيات مدينة تطفو على بحيرات من النفط، فلا الحكومة نجحت في إخفاء أخفاقها ولا الضيوف أغمضوا أعينهم بوجه جمال أهلها وبساطتهم، كان هذا أول أنتصار حققه أصدقاء الفقر المدّقع.

الإصرار على نجاح خليجي 25

تختلف أسباب الإصرار الشعبي على إنجاح البطولة عن أسباب الإصرار الحكومي، فلا الكأس ولا عودة الملاعب تقف وراء السرّ النفسي الدافع لهذا الأصرار سواء من أهالي البصرة أو الوافدين أليها من مختلف مدن العراق، قد تفهم شيئاً عندما تعلم أن الناس يئنون من انقطاع الكهرباء صيفاً، حيث تلامس درجة الحرارة الـ60 درجة، هذا شكل من أشكال القتل، أما في البصرة وهي المكان الأكثر احترارا في العالم بحسب الأمم المتحدة فتكون هنا أوضح صورة للمؤامرة ،لا كهرباء في العراق ! هذه تفهم في بلاد ليس فيها طاقة ،إنما في العراق! فضلاً عن حالات التسمم في البصرة بسبب المياه المالحة ولن نخوض في حالات غسيل الكلى المتزايدة، ماذا لو تحدثنا عن حالات التسمم بسبب تلوث مياه الشرب؟، ماذا عن أزمة المياه أصلاً في العراق؟ تلوثّ! أزمة مياه! أين في بلاد الرافدين؟، دجلة والفرات هنّا المؤامرة تتجلى أكثر وفي كل ملف نقرأ عن الفساد المسألة لم تعد سراً لا يوجد قطاع عراقي إلا وفيه فساد، ماذا عن المخدرات التي تجتاح البلد بنحو مخيف؟، كل هذا يحدث في البلد الذي يملك رابع إحتياط نفطي في العالم والمنافس الدائم على المركز الأول في مؤشر الفساد. 

ملاعب تركل السياسة

45 عاماً قضاها العراقيون محبوسين في إطار ضيق، لم يكتف بتدمير حياتنا بل ذهب إلى أبعد من ذلك دمرَ عقولنا، إرادتنا، طاقتنا على الانطلاق كرسّ جهوده في مامضى من العقود في تدمير الفرد العراقي بعد حروب إستنزافية تلاها العصر الذهبي للفساد حاصرنا وخنقنا، لكن لم يميتنا أرادنا مشلولي الحركة ضعفاء ومهزومين يائسين ومحبطين، خسرنا معه ليس أقل من كل شيء، لكن قالتها البصرة بوضوح :(أهلاً بمحيطنا العربي في أرضنا العراقية وشعبنا المتنوع)، العراق الباكي منذ الأزل هل سينتهي نحيبه، أما آن الآوان أن يكف كورش الكبير عن التربص بحاضرنا ومستقبلنا.

أقرأ أيضا