رغم مرور وقت قصير على التظاهرات الاحتجاجية التي بدأت في الأول من تشرين الاول ورغم انها لم تعمر طويلا بسبب القمع الشديد وعوامل اخرى سنغطيها لاحقا فانها تبقى مادة غنية للكثير من التساؤلات والدروس.. ولعل من المفيد التأكيد أن أهمية هذه التظاهرات اتت من شباب صغار ومن نفس البيئة التي يدعي حكامنا الانتماء اليها ومن ثم وبهذا تجاوزت احد اهم اسس النظام السياسي الحالي، وهو تمثيل الشيعة ومظلوميتهم واعتماد ذلك معيارا للولاء والوطنية كما يفند ادعاءات مؤيدي النظام بان البعث يقف خلف الاحتجاجات الذي حاول النفاذ لها وتجييرها دون نجاح حيث تجاوزت الاحداث منذ 2003 البعث فكرا وتنظيما واذا كان للبعث رصيد يملكه لحد الان فهو بسبب فشل الاسلاميين ونظامهم في قيادة البلد نحو التقدم والرفاهية في قطيعة مفترضة مع الماضي البعثي.
ان واحدا من دروس الانتفاضة هو انقسام المجتمع الى فسطاطين، الاول معظم قطاعات المجتمع والثاتي الاسلاميين الذين افشلت الانتفاضة محاولاتهم المستمرة للمماهاة بين الاسلاميين كاحزاب سياسية وبين المسلمين(الشيعة) كعنصر مكون للنسيج الاجتماعي العراقي, فقد تغيرت الامور واعيعدت الاصطفافات الى وضعها الصحيح بتحديد اسس الصراع واطرافه الذين هم سلطة تتمتع بالامتيازات الممنوحة على اساس الولاء وبين غالبية تعاني من التهميش السياسي والحرمان من حقوق المواطنة.. لقد فشلت الامال في ظهور جيل من الاسلاميين يرفض السياسات التي عانى مثلها في النظام السابق محتكما الى اساسيات الدين الاسلامي في العدل والمساواة والناي عن المفسدين, فحجم الامتيازات والتضليل الديني منعت ذلك، وهو الامر الذي اعاد المبادرة الى يد الجمهور العادي وخاصة الشباب منه الذي يعاني من الحرمان من التمتع بثروات بلده والحرمان من المساهمة السياسية.
ان انتفاضة الشبيبة الشيعية مؤشر خطير على نضوب الاسلاميين وتاكل ارضيتهم وشرعيتهم، فهذا الشباب هو الذي سيسود المجتمع بعد سنين فكيف سيكون حجم قاعدة الاسلاميين؟ لقد اظهرت انتفاضة تشرين على السطح اشكالية مركبة يعاني منها المجتمع العراقي وهي الافتقار للتنظيم، بل والتطير منه وهو امر كان له بالغ الاثر على مجريات ومالات الانتفاضة, اذ واجه المنتفضون صعوبة في الامور اللوجستية اضافة الى عدم النجاح في تحديد الاهداف ووضع الاولويات بشكل متناسب مع ظروف الحراك والظروف العامة، وهو ما ادى لارباك الشباب وحتى ارباك جمهوره وكل ذلك ادى الى تدخلات غير محمودة لجهات او افراد اذت الحراك كتحميله اهدافا مبالغا فيها ولا تتناسب مع الواقع السياسي او قلب الاولويات بشكل خطير او الدعوة لحمل السلاح وكل ذلك كان يمكن تفاديه بوجود تنظيم ليس بالضرورة ان يكون حزبا سياسيا حيث برز في الانتفاضة التطير من كلمة الحزب او التنظيم السياسي ورغم ان جزءا من هذا التطير مقصود به السلطة واحزابها اضافة لتجربة حزب البعث السيئة فان ثمة رفضا لفكرة الحزب والتنظيم تغذيها اوساط سياسية لتسهل قبول صيغ اخرى للعمل السياسي ..وفي موضوع متصل بينت الانتفاضة وجود فراغ سياسي يجب على الوطنيين العراقيين ملاه وقطع الطريق على الاعداء من شغله لمصالح غير وطنية,فقد مضت 16 عاما على سقوط نظام صدام كانت كافية لاي حركة سياسة ان تثبت وجودها في الميدان بما يعزز ثقة الاجيال الشابه بها وهو امر لم يحصل نتيجة الكسل والمصالح الحزبية وفقدان الرؤيه..لقد ظهر من خلال الكثير من الممارسات خلال الانتفاضة وخاصة تلك التي انطلقت خارج العراق دعما لها ان بعض الممارسات والسلوكيات البعثية تمارس من قبل جزء من الجمهور وهو يعبر عن تاييده للانتفاضة وهو يجعل مهمة توحيد المواقف والجهود اصعب فالبعض كان يتبنى مفردات ومصطلحات لوصف السلطة هو جزء من الخطاب البعثي …ان استحضار بعض اغاني الحرب العراقية الايرانية حتى تلك التي لاتمجد صدام ليست اداة جيدة للتعبير عن حب العراق ودعم انتفاضة شبيبته فهي لا تساهم في توحيد النظرة والجهود دعما لشباب الانتفاضة ومنعا للسلطة ومناصريها من اقتناص ذلك دليلا على بعثية الحراك.
لقد اظهرت مواقع التواصل الاجتماعي في تغطيتها للانتفاضة وتعبيرها عن دعمها غلبة التيار الشعبوي اليساري الذي يدعو لمطالب الحد الاقصى غير الواقعية ويشجع على الخيارات المغامرة والانتحارية وهوامر بالغ الخطورة يخدم السلطة بتعريض المنتفضين لاختبار غير متكافئ يجعل من معركتهم مغامرة ان تمت خسارتها انتهى كل شىء وذلك بعيدا عن التصور الواقعي للمعركة مع الفساد على انها معركة طويلة وفيها جولات وعلينا دائما ان لا ننزل للمعركة بكل اوراقنا وان يكون لدينا تصور لأهداف وشعارات كل مرحلة وكل ذلك يتطلب نزول القوى الوطنية التي لازالت تمارس العمل السياسي ضمن الاليات التي يرضى عنها النظام الى الشارع لدعم وتوجيه الشباب المنتفض.. ان الفرصة لازالت قائمة للجميع للمساهمة في الحراك الشعبي من الان مهما قد تختلف اشكاله مستقبلا وذلك كي لا تفاجئنا الأحداث ونجلس متفرجين على قتل ابنائنا.
إن واحدا من انجازات انتفاضة تشرين هو عودة ظهور الوطنية العراقية بقوة على يد الجيل الجديد معبرا عنها بشعاراته وتصديه بصدور عارية للرصاص وهو يهتف فقط للعراق,وهي خطوة جبارة في بلد لازال حديث عهد بحرب طائفية ,اذ يتوقع ان تكون لها تداعيات ايجابية على العمل السياسي ودور الاحزاب الاسلامية ,كما كان من الامور اللافتة اثناء وبعد الانتفاضة غياب الرؤيا والبصيرة السياسية لكل احزاب الاسلام السياسي التي افتقرت للحد الادنى لتصور مشاكل البلد ومعاناة ناسه وهو ماقادها الى الوقوف عكس منطق الحياة واغلبية المجتمع عندما ذهبوا بخفة شديدة لنسبة المظاهرات الى البعث تارة والى اميركا واسرائيل تارة اخرى، وهو ما ينذر بغياب للحلول وان كانت جزئية او طويلة المدى وهوما يثير الشكوك في مستقبل النظام اذ ان ذلك يعزز من خيار القمع طريقا وحيدا للحفاظ على النظام السياسي وهو خيار يعني ضمن امور اخرى وخصوصا بصيغته المتطرفة والشرسة التي رايناها في الايام الماضية ان الهوة اصبحت كبيرة بين الشعب وحاكميه مثلما تدل على عظم المصالح التي يدافع عنها مناصروا النظام والتي حصلوا عليها باساليب غير شرعية ,والتي تجعل من القسوة الشديدة امرا مقبولا ومشروعا لهؤلاء.
لقد اثبتت الاحداث تعدد مراكز القرار وهو امر وصل برئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ان يقول انه لم يصدر قرارا باطلاق النار على المتظاهرين جاعلا ذلك في ذمة طرف ثالث!! وهو ما يؤكد على عدم احتكار الدولة للسلاح والسيطرة عليه..ان النظام السياسي وصل الى طريق مسدود حيث فقد القدرة على التغيير والتكيف والتنازل لان ذلك يمر عبر مصالح رموزه كما انه غير مستعد لا للتنحي ولا بقبول مشاركة حقيقية من الاخرين ما يرتب على الجميع توقع الاسوا وهنا يجب ان نبين للشبيبة المنتفضة ان طريقهم طويل وانهم انما خطوا خطوة واحدة لكن جبارة وصحيحة ربما لاول مرة اذ ان معركتهم مع الفسادصعبة ومعقدة وتحتاج لجهود مضنية ولتحالفات واسعة وكل ذلك يجب ان يبدا من الان.