يذكر حردان عبد الغفارالتكريتي في مذكراته التي نشر قسم منها في كتاب بعنوان (كنا عصابة من اللصوص والقتلة خلف ميليشيات صدام للإعدام) إن الرئيس الأسبق عبد الرحمن عارف قد أعلن قبل إنقلاب 17 تموز بشهرين عن تعديل في إتفاقيات النفط لصالح شركة إيرب الفرنسية، وقد طلب أحمد حسن البكرحردان التكريتي، عشية إعلان الحكومة عن هذا التعديل، وشرح له أهمية هذا الإعلان وآثاره السيئة على علاقات العراق مع كل من بريطانيا وأمريكا، وإن عليهم أن يستغلوا هذا الوضع، وجرت بعد ذلك إتصالات مع صدام حسين الذي كان حينها في بيروت، وأخبروه “بضرورة إقامة حوارعاجل بينه وبين السفارة الأمريكية..وإجراء إتصال مع عفلق بهذا الشأن” وبعد أقل من أسبوع أخبرهم صدام حسين برد الحكومتين اللتين أبدتا “إستعدادهما للتعاون إلى أقصى حد بشرطين:ألأول أن نقدم لهما تعهدا خطيا بالعمل وفق ما يرسمونه لنا، والثاني أن نبرهن على قوتنا في الداخل”.
لذلك نظم حزب البعث “تظاهرة ضخمة بالتعاون مع الشيوعيين والدينيين” وأخبرتهم السفارة الأمريكية في بيروت إنها “على إستعداد للتعاون على أن “نتساهل”-هكذا وردت في المذكرات- بعد نجاح الإنقلاب في مسألة النفط مع الشركات الأمريكية…. وبعد ثلاثة أيام جاءنا من السفارة الأمريكية من يقول : إن علينا أن نتعاون مع آمر الحرس الجمهوري لعبد الرحمن عارف، عبد الرزاق النايف، وإن علينا أن نمشي وفق الخطة التي سيرسمها لنا…وقد التقينا به في سيارته الخاصة ليلة 17 تموز 1968 وإتفقنا معه على كل شيء”
يستمر حردان بذكر وقائع خطيرة في مذكراته حيث يشير إلى إن السفارة البريطانية إتصلت بهم بعد ستة أيام من إنقلاب 17 تموز بشكل سري ونبهتم الى “خطورة الإستمرار في السياسة التي أعلنها عبد الرزاق النايف بصفته رئيسا للوزراء في مؤتمره الصحفي الأول والأخير الذي عقده ..والذي قال فيه: إن حكومته ستتخذ إتجاها مستقلا في قضايا النفط وإنها ستعيد النظر في كل الإتفاقيات المعقودة بين العراق والشركات النفطية….وإن السفارة مستعدة للتعاون معنا الى ابعد حد لإسقاط عبد الرزاق النايف واصدقاءه ، وإعطاء حزب البعث…سلطات مطلقة للسيطرة على العراق، وهكذا دبرنا إنقلاب 30 تموز الذي أقصى فيه عبد الرزاق النايف، وزير الدفاع، وقائد الأركان، ومجموعة من الوزراءن وبعد نجاح الإنقلاب الذي قاده هذه المرة “أبو هيثم” نفسه وخططته شركة نفط العراق البريطانية ألغينا إتفاقية شركة إيرب الفرنسية الموسعة”
المذكرات تتضمن تفاصيل أخرى لا تقل أهمية وخطورة عما ذكرت أعلاه، لكني سأكتفي بالمعلومات أعلاه للدلالة على مدى إرتباط مصالح الشركات الكبرى في الأحداث السياسية التي حدثت وتحدث في العراق، لا ننسى إن من أهم أسباب إنقلاب 8 شباط الأسود 1963 على نظام عبد الكريم قاسم هوإصدار القانون رقم ٨٠ الذي حرم اتحاد الشركات الأجنبية التابعة لشركة نفط العراق(IPC) من حق التنقيب في ٩٩٫٥٪ من الأراضي العراقية، وبعد ذلك بدأ العراق بإنشاء صناعة النفط حيث كانت ملكيتها عراقية ويتم تشغيلها بكوادر عراقية.
ولا ننسى أيضا إن أحد أبرز أسباب غزو العراق عام 2003، هو محاولة إستئثارالولايات المتحدة بالنفط العراقي-بالإضافة إلى اسباب أخرى- وقد تم ذلك فعلا، ففي إطار العقود النفطية، ذكرت صحف الجارديان، والإندبندنت ودايلي تلجراف في تقارير لمراسليها في واشنطن-حينئذ- أن العقود النفطية التي حازت عليها إحدى الشركات الفرعية التابعة لشركة هاليبرتون، التي سبق لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني أن تولى رئاستها، “أوسع نطاقا مما أُعلن عنه“.[1]
ونقلت الصحف عن عضو الكونجرس الأمريكي هنري واكسمان قوله إن مراسلات مع فيالق المهندسين في الجيش الأمريكي أظهرت وجود عقد بملايين الدولارات ينطوي على دور للشركة ليس في إطفاء الحرائق في آبار النفط في العراق حسب، ولكن في “تشغيل منشئات وتوزيع منتجات“.
وقد مُنِح العقد، وفقا لما تقوله الإندبندنت، من دون التقدم بعطاءات من قبل شركات أخرى.ونقلت عن واكسمان قوله في هذا الصدد: “الآن فقط، بعد أكثر من خمسة أسابيع على الكشف عن العقد، يعرف أعضاء الكونجرس والشعب أنه قد يُطلَب من هاليبرتون ضخ وتوزيع النفط العراقي وفقا للعقد“.
وألمحت الاندبندنت إلى أن منح العقد لشركة “كلوج براون أند روت” التابعة لهاليبرتون في آذار/مارس 2003 قد أثار تكهنات في شأن ما إذا كانت العلاقات الوثيقة التي تربط الإدارة بهاليبرتون قد ساهمت في حصولها على العقد، وهو ما نفاه البيت الأبيض بشدة في حينه.
وأضافت أن المراسلات التي أجراها عضو الكونجرس واكسمان مع فيالق المهندسين في الجيش الأمريكي قد أثارت مجددا مزاعم مفادها أن دور تشيني كرئيس سابق لمجلس إدارة الشركة “كان عاملا هاما في العقود”، على حد تعبير الصحيفة.واستشهدت بما ورد في رسالة تلقاها واكسمان في وقت سابق من هذا الأسبوع من اللفتانت جنرال روبرت فلاوزر، كبير المهندسين في الجيش الأمريكي، والتي قال فيها إن الشركة سوف “تطفئ النيران في الآبار، وتقيم المنشآت، وتنظف النفط المتسرب أو المخاطر البيئوية في المواقع، وتصلح أو تعيد بناء البنية التحتية المدمرة وتشغل المنشآت وتوزع المنتجات“.
والسؤال المطروح هو، ماذا حصل بجولات التراخيص؟ وماذا يحصل الآن؟
[1] العقود التي حصلت عليها هاليبرتون في صناعة النفط العراقية “أوسع مما سبق الإعلان عنه“ ، BBC Arabic.com ، 8/5/2003