دولة العراق اليوم ليست دولة اتحادية ” فيدرالية”، كما يزعم الحكام الفاسدون حلفاء الاحتلال الأميركي من شيعة وسنة وكرد، بل دولة موحدة “كونفدرالية” مؤلفة من دولتين مستقلتين غير معلنتين هما العراق وكردستان. الشواهد والأدلة على هذا الواقع أكثر من أن تحصى. ولما كان من المستحيل العودة لعراق ما قبل 1991 أو حتى للوضع كما كان خلال سنوات الاحتلال الأميركي الأولى، فإن الحل الصحيح هو في فض الاشتباك القائم وتفكيك الخلل الخطير الذي تواطأ عليه الساسة الشيعة والكرد في حكم المحاصصة. ويجب الاعتراف بهذا الواقع عبر الاتفاق على قيام دولة موحدة بين دولتي العراق وجمهورية ذات حكم ذاتي كامل هي كردستان ضمن إطار الجمهورية العراقية. هذا الحل لن تستطيع إنجازه النخبة الحاكمة في بغداد أو في أربيل كما تقول الوقائع لأنها نخبة تابعة في نظام ذي استقلال منقوص وإرادة مرتهنة. والنظام الوحيد القادر على اجتراح وتطبيق هذا الحل هو نظام ديموقراطي عراقي موحد يقوم على أنقاض نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ويستبدل دستور ودولة المكونات الطائفية بدستور ودولة المواطنة الحديثة العلمانية القائمة على المساواة في دولة موحدة” كونفدرالية“.
واقعا فإن “جمهورية كردستان ذات الحكم الذاتي” قائمة ومكتملة مؤسساتيا وإمكانيات، ولكنها تعاني أيضا من الطابع الدكتاتوري الاحتكاري لحكم المناصفة بين حزب البارزاني وحزب الطالباني منذ سنة 1991. ولكن يجب قبل الاعتراف بهذه الجمهورية من قبل العراق وكجزء منه حسم جميع المشمولات الخاصة بهذه الحالة كالحدود والثروات وحسم موضوع تبعية كركوك وهي المشمول الأخطر والأسهل معا.
كركوك تختلف تماما عن واقع المحافظات الكردية الثلاث الأخرى لكونها تعددية النسيج القومي والاجتماعي، ولا يمكن حسم قضية تبعيتها للعراق أو للإقليم عبر التصويت النسبي، لأن هذا الحل يجحف بحقوق نصف سكان كركوك -أو أقل من ذلك قليلا- من غير الكرد، ويجب أن يكون لكركوك وضع خاص يتم الاتفاق عليه بين العراق والإقليم المتحول إلى جمهورية متحدة مع العراق لاحقا، وقد كتبت عن عدة بدائل حول ذلك منها اعتبار كركوك إقليما مستقلا او تقسيم المحافظة بين مكوناتها بلديا بين بلدية كردية وبلدية غير كردية أو اعتماد خيار السيادة المشتركة عليها من قبل بغداد وأربيل.
خاتمة: قبل أيام، في خضم الجدل حول مشروع استفتاء البارزاني نشر الصديق الأستاذ شعلان شريف، منشورا على صفحته ذكَّر فيه بما اقتبسته ذات مرة عن الراحل هادي العلوي بخصوص الدولة الكردية فكتب في منشوره (في الشرق الأوسط هناك دولة مفتعلة وزائدة يجب أن تزول هي إسرائيل، وهناك دولة مشروعة وضرورية يجب أن تقوم هي كردستان)) المفكر الراحل هادي العلوي، حسبما ينقل عنه الأستاذ علاء اللامي. أوافق الراحل هادي العلوي في مقولته هذه.ولكن الأوراق اختلطت، فها هي الدولة “المفتعلة الزائدة” تتبنى مشروع إقامة الدولة “المشروعة والضرورية”!!)، فما هو الموقف الحقيقي تفصيلا للمعلم الراحل هادي العلوي من القضية الكردية في العراق وفي الشرق عموما؟
كيف كان الراحل هادي العلوي ينظر لقضية الكرد وكردستان؟ وقد عقبت على منشور الصديق شعلان شريف بالأسطر التالي التي أعتقد انها تصلح لتكون خاتمة توضيحية مفيدة لكل ما تقدم. (وقد يكون من المفيد التوضيح، أن الراحل العلوي حين كان يتكلم عن حق الكرد في تحقيق المصير وإقامة دولتهم، كان يتكلم عن أمة كردية تتكون من أكثر من 35 مليونا من البشر في أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، وليس عن مشروع سياسوي يفرضه زعيم سياسي عطَّل برلمان الإقليم واحتكر منصب الرئاسة لأكثر عامين بعد انتهاء عهدته الرسمية بتاريخ 19 أغسطس/آب عام 2015، ويريد فرضه على الأطراف الأخرى بعون وحيد من دولة إسرائيل… ليت شعري ماذا كان سيقول العلوي اليوم وهو يرى المشهد العراقي وبضمنه المشهد الكردي؟ الموتى لا يتكلمون طبعا، إنما الأكيد أن الثوابت هي الثوابت فحق الأمم ومنها الأمة الكردية في تقرير مصيرها وإقامة دولتها بالنسبة لي لا نقاش فيه، و لكن أيضا فإن إقرار هذا الحق وتطبيقه لم يعد ولم يكن أصلا مشكلة عراقية فقط، بل يمكن ان نقول أن العراق هو البلد الوحيد الذي أنصف الكرد من بين البلدان الأخرى ولكنه أيضا البلد الذي نزف فيه الكرد دماء كثيرة… ولكن من الثوابت أيضا، أن من يصطف مع دولة عنصرية ومعادية لشعوب الشرق من الزعماء الكرد، مع دولة تضطهد شعبا آخر و تحرمه من حق العودة إلى بلاده منذ سنة 1948 وحتى اليوم، هي دولة إسرائيل، إن هذا الذي يصطف مع هذه الدولة لا يربطه بالحق النبيل والإنساني لتقرير المصير للأمة الكردية أي رابط! معلومة صغيرة وذات دلالة: كانت علاقة الراحل العلوي سيئة غالبا مع قيادات الأحزاب الكردية العراقية ولكنها لم تصل حد القطيعة والعداء وحتى حين كنا نهاجمهم بحدة وأقول له ( لقد كبَّرنا الجرعة هذه المرة) كان يقول لي (الأكراد طيبون لن يزعلوا علينا لأننا ندافع عنهم بنقدهم وهم يعلمون ذلك) ولكن علاقته الأقوى كانت مع القوى الكردية “الثورية” في الدول الأخرى وخاصة تركيا، وحين داهمته الجلطة الدماغية وتوفي على إثرها بعد أيام، كان ساعتها يجري لقاء تلفزيونيا في بيته مع قناة حزب العمال الكردستاني/ تركيا، وعلمت انهم يحتفظون بآخر مشاهد له حين دهمته الجلطة خلال التصوير… سلام عليه .. وشكرا لك على التذكير أستاذ شعلان).
ثم طرح الأستاذ شعلان السؤال التالي: (أستاذ علاء عندي سؤال: ما الأخطر في رأيك: أن تكون هناك دولة صديقة لإسرائيل شمال العراق، أم أن يكون جزء من العراق، مشارك في البرلمان والحكومة والجيش، صديقاً لإسرائيل؟)
فأجبته بالآتي (المتحقق الآن أو الذي في طريقه الى التحقق هو ولادة إسرائيل كردية، وليس مجرد دولة كردية صديقة لإسرائيل على جزء من كردستان، وهذا خطر على العراق وعلى الأمة الكردية وعلى الشعوب المجاورة، أما ان يكون جزء من العراق “وربما تقصد ممثلي الإقليم في البرلمان العراقي” صديقا لإسرائيل فهو أمر أقل خطورة ويمكن تطويقه، ولكن السؤال كما أرى افتراضي كثيرا وهذا ما يجعل الإجابة عليه افتراضية هي الأخرى وأبعد ما تكون عن السياقات الواقعية. والأخطر أيضا هو استمرار بقاء دولة المكونات ودستورها ونظامها القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية).
هل من موقف وطني تقدمي بديل؟ لا أزعم احتكار الحكمة بل طرحت وأطرح وجهة نظر كررتها في مناسبات عديدة خلال السنوات الماضية وآخرها قبل أسابيع قليلة، وخلاصتها هي: إن وضع الكرد في العراق يختلف قطعا عن وضعهم في تركيا وإيران وسوريا ولكل وضع خصوصياته المستمدة من خصوصيات تلك الدولة وذلك المجتمع. ولكن هذه الخصوصية لا تنفي الوحدة الموضوعية لقضية الأمة الكردية ككل، وطموحها المشروع لتقرير مصيرها، غير أن هذه المشكلة ليست مشكلة عراقية فقط بل هي مشكلة شرق أوسطية (تركية، إيرانية، عراقية وسورية) وعالمية، والمسؤول الأول عنها هو الغرب الاستعماري الذي أوجدها أما الطرف الذي يحاول تأجيجها وتحويلها الى حرب لتدمير العراق فهي إسرائيل العنصرية بواسطة عملائها في الزعامات الكردية المخترقة وفي عموم العراق. المهمة الأولى الآن أمام العراقيين الوطنيين عربا وكردا وتركمانا وكلدانا وآشوريين ومندائيين وغيرهم، هي رفض استفتاء البارزاني تماما وعدم القبول بالتأجيل المشروط بالتدويل وباللجنة الثلاثية الأميركية البريطانية فرنسية. لتكن هذه مجرد بداية ينبغي لها أن تتصاعد وصولا إلى إنهاء وتفكيك نظام الفساد والمحاصصة الطائفية والعرقية الذي أسسه الساسة الكرد والشيعة وهرع اليه لاحقا الساسة العرب السنة وقيام دولة المواطنة الديموقراطية الموحدة “الكونفدرالية” دون تدخل إمبريالي غربي في الشأن العراقي
وسلام على العراق الباقي رغم أنوف لصوص الطوائف والعرقيات!
علا