صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ديستوبيا القرن الواحد والعشرين 

يُشير مصطلح “ديستوبيا” الى مفهوم المدينة الفاسدة التي تسود فيها الفوضى والقتل والدمار، عالم يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه القمع والفقر والمرض. حيث يتجرد فيه الانسان من انسانيته. 

ومصطلح ديستوبيا باللغة اليونانية يعني المكان الخبيث وهو عكس المدينة الفاضلة (يوتوبيا) والذي عبر عنها أفلاطون في جمهوريته التي أسماها جمهورية أفلاطون والتي كانت عبارة عن تصورات لمدينة فاضلة تسود فيها قيم التسامح والتعاون وتتجلى فيها القيم الانسانية النبيلة. 

شغل أدب المدينة الفاسدة “ديستوبيا” الكثير من الاقلام الادبية للتعبير عن واقع معين او فكرة معينة قد تصل من خلال هذا النوع من الادب التخيلي فعبروا عنها بأساليب مختلفة ومتنوعة . الا أنها ليست بالضرورة مدينة تخيلية فقد تتجسد هذهِ المدينة وهذا المجتمع كواقع نراهُ امامنا ونعيش فيه. وهذا الاعتقاد قد يجعلنا امام سؤال: لماذا هنالك مدينة فاضلة “يوتوبيا”، ومدينة فاسدة “دستوبيا”، وكيف تتحول هذهِ الى تلك او العكس؟ 

بلا شك عند قراءة التاريخ القديم للانسان على الارض سنجد أنهُ استطاع تغيير نمط الحياة من خلال سلسة من التغيرات التي طرأت عليه والتغيرات هذهِ شاملة فكرياً وجسدياً ونفسياً، فالانسان القديم كان يحظى ببنية جسدية مختلفة تماماً عن الانسان في العصر الواحد والعشرين، وبنمط حياة مختلف ايضاً من خلال ممارساته الحيوانية في اكل اللحوم والاصطياد والنوم، وبعد تطوره في نمط حياته من خلال طهي اللحوم تغير شكل الانسان على مستوى الفك والوجه، عند ذلك ظهرت اللغة التي هي أول اشكال التفاهم بين البشر، وما تبع هذهِ التغيرات البشرية من تغيرات بيئية فبنى المدن وعاش ضمن جماعات ومجتمعات بعد أن كان يسكن الكهوف. 

وبالنظر لهذهِ التغيرات سندرك دور الانسان في التغيرات الحياتية، وعليه يأخذنا هذا الاستنتاج الى ضرورة معرفة طبيعة الانسان النفسية والفكرية في القرن الواحد والعشرين وما يؤثر عليهما من ظروف لمعرفة السبب في تحول المجتمعات الى مجتمعات ديستيوبية. 

بشكل عام تقاس قيمة المجتمعات ومقدار أهميتها من خلال أمرين وهما الفن والادب، حيث سنجد أن مجتمعات تحتوي على جميع مظاهر الفن من مسارح ومتاحف ومحلات لبيع الكتب وتهتم لهذين الامرين مجتمعاتً قوية متماسكة فكرياً تشيع فيها روح التسامح والانسانية، لما لهذين العنصرين من مقدار فكري وثقافي على الشعوب فتنقل الانسان من مستوى متدني الى مستوى أعلى وأَسْمى، فالفن ليس مادة مسلية او ترفيهية كما يعتقد البعض، بل هو مظهر من المظاهر التي تنتمي جنباً الى جنب مع الفلسفة فيرى أرسطو أن الانفعالات التي يُظهرها بطل مسرحية ما قد تؤثر في المتلقي وتضعهُ أمام تساءلات فكرية وفلسفية مختلفة، فالفن بكل تجلياته وانواعة والادب بكل الوانه عوامل في صقل الانسان من النواحي النفسية والفكرية والروحية، فهي المسؤولة عن تكوين إنسان سوي وبالتالي تكوين مجتمع سوي وقوي ومتماسك . في المقابل اذا مُنعت المجتمعات من الفن والادب لأسباب مختلفة كأن تكون خوضها حروب مدمرة قد تؤدي الى تراجع فكري معين، او اذا امتنعت بمحض ارادتها عن هذين العنصرين المهمين فقد تنحدر قيمة الانسان وبالتالي تنحدر قيمة المجتمع فيصبحُ المجتمع مجتمعاً ديستيوبياً تنعدم عنده القيم الانسانية. وتشيع فيه ظواهر العنف والدمار والقتل. 

ختاماً قال أرسطو إن الجهل أصل الشرور، فالمجتمعات الجاهلة هي أقرب ما تكون لمجتمعات متوحشة وديستيوبية، واذا أردت أن تقيس قيمة شعب او مجتمع فقس مقدار حبهم واهتمامهم بالادب والفن. 

أقرأ أيضا