صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

رثائية “الستلايت الحزبي”

اكتشفت، ومن يسافر سيكتشف، أن محيطنا الإقليمي لا يزال يُصنفنا بحسب عائدياتنا القومية والعرقية، والحال يُعرف في تلك البلاد وفي غالبية وعيها الجمعي على أنها بلدان تتمتع باستقرار امني أكثر منا.

بمجرد ان يستفهمك سائق تكسي في إحدى العواصم عن جنسيتك حتى تدخل دوامة تقييماته عن حال بلدك وكأنك لست معنياً بالاجابة، سؤال لم تعد تسأل عنه في بلدك “انت سني لو شيعي؟” يثير الضحك والسخرية والغضب، السبب ولا عجب، سقوط الاعلام العراقي في تسويق حالتنا الراهنة، خاصة تلك التي أعقبت ما بعد داعش، اذ لا عودة لما كان عليه الحال قبل 10 حزيران 2014.

لماذا نحمل الاعلام مسؤولية الشرخ في الفهم العربي والإقليمي للحالة العراقية؟، ولماذا نختبئ من إلقاء اللوم على احد ما غير صناع القرار في بغداد؟ وكأن الاعلام هو ساحة للسياسة على خلاف ما يفترض بالسلطة الرابعة ان تكون وتؤثر. لهذا لا يمكن اليوم اعتبار أكثر من نصف الناتج الصحفي والإعلامي على انه مادة تستحق الاطلاع، انا هنا لا احكم، بل أُحكّم.

لا ينقص الاعلام العراقي التمويل، اذ يحدث ان تُفتتح مشاريع متجاوزة في انطلاقتها ميزانيات هائلة لمؤسسات عريقة عربياً ودولياً، ولا يعوز الكثير من وسطنا امكانيات العمل الاحترافي لو فتح باب المنافسة الحقيقية من خط انطلاق واحد بلا محاباة او تلميع او تمويل مشبوه.

في مقابل هذا فأن تنامي الوعي غير القابل للنكوص، وازدهار وسائل التواصل في “صحافة المواطن” فضح خفة الخطاب الإعلامي والصحفي وهشاشة كوادر صحفية تسوق لغة ان لم تكن مُحرضة ومنحازة، فهي كلاسيكية في افضل حالاتها، تعجز عن الانتقال بالمزاج والرأي الى مستوى جديد يغادر عقلية التلقين المفضوحة.

اعلام غير قادر على تمرير رسائل تمنح بعداً آخر للمتلقي، ولا يُفهم منه سوى عناوين صفراء ومحتوى ترويجي للشائعات واخبار ما كان يُصطلح على وصفها بأخبار “الجنّازة”.

لا يمكنك إكمال برنامج حواري سياسي عراقي حتى النهاية، لا يمكن معه احتمال الحوار الشعبوي الذي يديره رهط كبير من مقدمي البرامج واعتمادهم تكتيكات عفى عليها الزمن من مدارس انتهت فعلياً.

نحن اليوم امام ظاهرة دامت طويلاً، لم يعد معيباً ان يُدفع الاعلام بأيادٍ سياسية او نوايا البزنس في عصر الليبرالية الجديدة، ان تصبح مؤسسة ما صندوق أمنيات السياسي الذي يدعمها وبوقه، خنجره ضد خصومه في أروقة الصفقات وتقاسم الحصص في الحياة السياسية الحالية.

من أنشئ حزبا سيفكر حتماً بأن يفتتح صحيفة او إذاعة او وكالة او قناة، وكأنها الدكان الذي سيجلب له المنصب المقبل في اربع سنوات قادمة. الاعلام العراقي يرزح تحت ضغوط “الحجي” الذي يفرض وجود خبر له في اول اخبار نشرة قناته، “دكانه يبيع فيه ما يريد”.

ما بدأ قبل 14 عاماً يوم اقتحم المال السياسي الإعلام، سينتهي قريباً بانتهاء صلاحية “الستلايت الحزبي”، الذي عودنا على انطلاقة كبيرة، ثم مسلسل يألفه الوسط الصحفي المعروف بالتقليص والاغلاق، بغض النظر عن المُحتوى فأن العمر الافتراضي لكثير من منصات الاعلام والصحافة العراقية انتهى منذ زمن، ومن بَقِي يكابر وينافس في افضل حالاته على بضعة آلاف من المشاهدات سنوياً.

مثل هكذا اعلام لن يستطيع تسويق التجربة العراقية بكل إشراقها وخفوتها بعد ٢٠٠٣، ويتجاوز السؤال الساذج لسائق التاكسي الأجنبي/ العربي “انت من العراق؟.. سني لو شيعي؟”

أقرأ أيضا