صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

رسالة مفتوحة الى الصدر

سماحة السيد مقتدى الصدر أعزه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أثارت مواقفكم في السنوات الـ17 الماضية الكثير من الجدل.. فوجدت مؤيدين ورافضين، لكن العديد منها فرضت احترامها لدى بعض المنتمين للوسط الثقافي والصحفي، وتمثلت بالخطاب المعتدل الذي قدّم الوطن على الانتماءات الأخرى، وانحاز للمظلومين والفقراء، وأظهر حزما تجاه الفاسدين والمسلحين خارج إطار الدولة، ممن تسببوا بدماره ونهب ثرواته وكسر هيبته، ما أهّلكم للعب دور الإصلاح في العملية السياسية الذي دعت إليه قطاعات الشعب كافة ومرجعياته الدينية.

من هذا المنطلق، فإن سيرتكم ومواقفكم الوطنية التي سبغتها صلابة وشجاعة وإخلاص آل الصدر، قد باتت على المحك اليوم، فبعد أن اطمأن إخوانكم وأبناؤكم في ساحات التظاهر، لمواقفكم الجريئة الداعمة لهم والمحامية عنهم وسط ما تحيط بهم من ذئاب تنظر اليهم كفرائس، لاحظنا أن مواقفكم تلك قد بدأت بالتراجع، وحماسكم للتغيير أخذ بالفتور، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، رغم علمكم بأن أكثر من يتواجد في ساحات التظاهر ما هم إلا شباب وطلاب ومواطنون شجعان آمنوا بالعراق وسيادته وكرامته، وهي ذات المفاهيم التي تدعون إليها، فتمكنوا بصبرهم وثباتهم طوال الأشهر والأسابيع الماضية من إسقاط الأقنعة والعناوين الأخرى التي اندست بينهم وحاولت حرف احتجاجاتهم.

واستكمالا لهذا التراجع الذي اقترن بعدول السيد حميد الغزي عضو تياركم الجماهيري عن الاستقالة من منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، جاءت دعوتكم الى تظاهرة مليونية في ساحة التحرير (التي تشهد اعتصامات لمحتجين ضد الفساد والفشل)، تحت عنوان طرد القوات الأمريكية من العراق، ورغم أنها دعوة مشروعة إلا أن توقيتها والاستجابة السريعة لها من قبل أحزاب وجهات جاهرت بتخوين “الانتفاضة الشعبية”، وناوأتها منذ البداية دون ورع أو رويّة، أرسل برسائل سلبية يغلفها القلق من وجود نوايا مبيتة لمشاركين قد يحاولون إجهاضها، لاسيما مع تصاعد نبرة التهديدات المباشرة التي لم تنجح طمأنتكم الأخيرة في تبديدها.

سماحة السيد.. لا أظن بأن متظاهرا واحدا في ساحة التحرير مرتاحٌ لوجود القوات الأجنبية والمخابرات الدولية على أرضه، كي تسمحوا بتحول دعوتكم الى سبب غير مباشر لأعداء التظاهرات باجتياحها وتخريبها؟ ولا أظن بأنكم ستتحملون المسؤولية التاريخية عن إنهاء انتفاضة الشعب، أو حدوث اضطراب أو احتكاك في ساحات التظاهر، ما قد ينجم عنه مقتل أو إصابة للمحتجين المرابطين في الساحة منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أو حتى ترويعهم وطردهم؟

ولو حدث ذلك، فهل ستكونون واثقين من أن هذه التظاهرات الجديدة ستحافظ على مطالب الإصلاح التي ناديتم بها طويلا أم أنها ستُطيل من تمكين الفاسدين؟ لا سيما وأن دعوتكم للتظاهر تزامنت مع “مهلة الناصرية” وهي المهلة التي منحها المحتجون للبرلمان من أجل تنفيذ مطالبهم الحقة، والتي سيتلوها تصعيد في وسائل اعتصامهم السلمي إذا لم تتم الاستجابة، وهو أمر مشروع دستوريا، وأكدت على أحقيته المرجعية الدينية في النجف الأشرف وأسمته بـ”معركة الإصلاح”؟

سماحة السيد.. تدركون تماما أن ساحة التحرير تمثل رمزا للتظاهر ضد الحكومة والنظام الفاسد والفاشل، وليس من الصعب أن يذهب المتظاهرون المطالبون بخروج القوات الأمريكية أو غيرها الى أماكن أخرى، لكن ضد من ستكون التظاهرة؟ فإذا كانت ضد الحكومة والبرلمان فهو أمر غير مقنع إطلاقا، لأن الكتل النيابية التي أعلنت انضمامها للتظاهرة تمثل أغلبية المقاعد النيابية، وهي من شكلت الحكومة “المستقيلة”، أما التظاهرة ضد الولايات المتحدة وقواتها، فهو أمر مشروع، لكنه ليس عمليا في ظل وجود أغلبية سياسية قادرة على سن أي قانون وتنفيذه عبر القنوات السياسية والرسمية.

ختاما.. لا أتمنى أن يشعر إخوتكم وأبناؤكم في ساحات التظاهر بالخذلان التاريخي أو التفريط بحقوقهم لأي سبب كان، وأتمنى أيضا أن لا تصدقوا ادعاءات من كان يخوّنكم ويشكك بشرعية دعواتكم السابقة للتظاهر، فيما يعلن اليوم تأييده بقوة لدعوتكم الأخيرة للتظاهر، بدوافع لا علاقة لها بإخراج القوات الأجنبية.

أقرأ أيضا