في مقال نشره موقع بالعربية يتحدث عن واردات السعودية من مواسم الحج والعمرة، استوقفني المقطع المؤشر أدناه بين قويسات وهو مقطع مهم جدا يعكس رؤى الدول الاقتصادية البعيدة المدى في استغلال كل ما يمكن استغلاله لتعظيم موارد دخلها القومي.
“وفقا لأحدث مؤشر عالمي لمدن الوجهات من “ماستر كارد”، جذبت مكة 20 مليار دولار من الدولارات السياحية في عام 2018، لتحتل المرتبة الثانية بعد دبي، وقبل الوباء، كان من المتوقع أن يبلغ متوسط عائدات الحج حوالي 30 مليار دولار سنويًا، وأن تخلق 100 ألف فرصة عمل للسعوديين بحلول عام 2022. وكان ذلك عندما استقطبت المملكة حوالي 21 مليون مصلٍ سنويًا خلال فترة الحج والعمرة ، وفقا لبيانات رسمية ذكرتها وكالة”رويترز” للأنباء”.
في كربلاء افادت مصادر رسمية بأن الزيارة الاربعينية لهذا العام قد أحياها أكثر من 22 مليون زائر، منهم 5 ملايين زائر إيراني وعدة ملايين من جنسيات أخرى إضافة الى ملايين الزوار العراقيين المقيمين داخل العراق، وتوافدت تلك الملايين على المدينة على مدى أيام معدودة قادمة من مناطق ودول شتى، منها من جاء مشيا على الاقدام من مناطق بعيدة قضى خلالها الزائر عدة أيام ليصل للمدينة، لكن للأسف لم تكن هذه الزيارة بالمستوى المرجو رغم أن أجوائها الأمنية كانت آمنة للغاية، فلم تسجل اية خروق أمنية مثلما كان يحدث قبل سنوات إلا انها كانت الأسوأ من حيث التنظيم بدأً من المداخل الحدودية حتى دخول المدينة، فكانت هناك زحمة سير خانقة تسببت باختناق الكثير عند دخول الزائرين من معبر الشلامچة الحدودي بين العراق وإيران اضافة الى زحمة طرق لا توصف وصل البعض منها الى عشرات الكيلومترات بسبب ردائة وضيق الطرق المؤدية للمدينة مما تسبب في مقتل العديد من الاشخاص بسبب الزحام وحوادث الطرق وتم توثيق تلك الحوادث بتسجيلات وصور نشرها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي.
عودة للسعودية ولمواسم الحج والعمرة، فبرغم العدد السنوي للحجاج والمعتمرين الذي كان اقل من عدد الزوار الوافدين لمدينة كربلاء في زيارة واحدة الا ان السعودية وفقا للمقال المشار اليه آنفا قد جنت في العام 2018 وحده (20 مليار دولار ) وتسعى لتخطي عتبة الـ(30 مليار دولار) وذلك من موارد الحج والعمرة وهذا الرقم ليس برقم سهل رغم انه لا يشكل شيء ازاء صادرات النفط السعودية التي تصل الى عدة مئات من مليارات الدولارات إلا انها لم تجعل من هذه الزيارة زيارة مجانية ولم تدعمها من واردات نفطها انما دعمتها من واردات الحج نفسه فهي فرصة ذهبية لدعم الاقتصاد السعودي وتشغيل مئات الالاف او الملايين بسبب زيارات الحج والعمرة.
منذ ان بنى النبي ابراهيم (ع) الكعبة المشرفة وليومنا هذا يعتبر الحج والعمرة الفرصة الذهبية للتقرب لله وللتجارة في آن واحد وحين نزل القران على النبي محمد (ص) لم يكن هناك نص قراني يمنع الاسترزاق والاستفادة التجارية من هذه الطقوس الرحمانية (طقوس الحج والعمرة) ولم يكن هناك حديث نبوي شريف او قول لامام معصوم او فتوى لمجتهد تمنع ذلك رغم ان الحج لله وهو خالق السموات والارض وخالق البشر بكل اشكالهم واجناسهم، الصالح منهم والطالح، وجعل الله تلك الفريضة ركنا من اركان الاسلام واشترط السعي لها لمن استطاع اليها سبيلا، والاستطاعة لا تشمل القدرة الجسدية فقط انما المادية وهي الأهم فالحاج حتى وان كان عاجزا او معاقا الا انه يستطيع اداء مراسم الحج محمولا على الاكتاف او بعربات وكراسي المعاقين لكنه لا يستطيع اداء الحج ان لم يكن يمتلك المال.
ولو افترضنا بأن الحكومة العراقية أسست صندوقا وأسمته صندوق دعم الزيارات المليونية وقررت استيفاء مبلغ (1000 دينار) عراقي من كل زائر عراقي ولو افترضنا ان هناك 13 مليون زائر عراقي دخل المدينة من بين الـ٢٢ مليون الذين دخلوها فسوف تحقق مبلغا قدره (١٣ مليار دينار عراقي ما يعادل ٩ مليون دولار) ولو قررت استيفاء مبلغ قدره (25 دولارا) لكل زائر أجنبي، وهناك 9 ملايين زائر أجنبي دخل العراق لأداء الزيارة من بين الـ22 مليون زائر فإنها سوف تحقق (225 مليون دولار)، ولو قررت استيفاء مبلغ (5 الاف) دينار لكل سيارة صغيرة و(10 الاف) دينار لكل باص صغير و(20 ألف) دينار لكل حافلة وشاحنة كبيرة تدخل المدينة اثناء الزيارة، فإنها سوف تحقق عدة ملايين من الدولارات ولو طبقت هذه الرسوم اثناء الزيارات الكبرى مثل الزيارة الشعبانية والعاشر من محرم وزيارات الاعياد إضافة للزيارة الاربعينية فسوف تحقق ايرادات تقدر بعدة مليارات من الدولارات نهاية العام، يسلم هذا الصندوق الى لجنة مشتركة تتكون من رجال دين من الحوزة وموظفين من الدولة والحكومة المحلية و من اعيان المدينة ومن موظفي العتبات المقدسة لمنع التلاعب بالاموال لتصرف على تهيئة كل وسائل الراحة للزائر من الحدود والمطارات حتى وصولهم للأضرحة الشريفة.
قد يثير هذا الاقتراح حفيظة البعض لا سيما وان الزائر يحل ضيفا على المدينة وانهم يرغبون في الحصول على الاجر والثواب بتقديم الخدمة للزائر وهو شرف عظيم، نعم الاجر والثواب يسعى له كل مؤمن ومؤمنة وفي كل الاديان لكن المنطق يتعارض مع ما يجري على ارض الواقع (علما ان المنطق الذي اتحدث عنه لا يتعارض مع اي نص قراني او حديث نبوي او قول لامام معصوم او فتوى مجتهد) كما اشرت سابقا وكذلك فان هذا المبلغ الذي يدفعه الزائر يكاد لا يشكل شيء او اي عبئ مادي يثقل كاهله خصوصا وأنه سوف لن يدفع فلس واحد على الأكل والمنام والخدمات المتاحة له على طول طريق الزيارة الى كربلاء وطيلة فترة الزيارة، اما ميسوري الحال فانهم سوف يستخدمون الفنادق ويرتادون المطاعم ويتسوقون من الاسواق وسوف يوفرون مصدر رزق آخر لأهل المدينة.
إن هذه المقترحات لو تم تطبيقها فإنها سوف توفر كل الموارد المالية لتظيم الزيارة من اعادة بناء مداخل حدودية مجهزة بكافة الخدمات تستوعب العدد الكبير من الزوار وتوسيع وتحديث للطرق وبناء الجسور ونصب محطات طاقة كهربائية خاصة بالمدينة وتوسيع وتحديث شبكات المياه الصالحة للشرب وانشاء ساحات ضخمة لوقوف السيارات عند حدود المدينة وبناء مدن الزائرين وتوفير وسائط نقل صديقة للبيئة لنقل الزائر من الساحات العامة في مداخل المدينة الى داخلها واكمال بناء مطار المدينة الجديد الى تشجيع القطاع الخاص على استثمار اموالهم في بناء فنادق جديدة ومرافق سياحية تليق بالزائر اضافة الى رفع العبئ المالي الكبير عن كاهل الدولة وصرف المليارات المخصصة للزيارات من الموازنة السنوية في مشاريع أخرى لاحتواء البطالة ودعم الاقتصاد الوطني.