ثمة بُعد آخر خفي لم يتم الكشف عنه بعد، ولا يزال بعيدًا عن دائرة الضوء الإعلامي. يتعلق الأمر برؤية تصوراتنا حول فتح ملف أحداث 11 أيلول سبتمبر والغرض الكامن وراءه للإبتزاز الأمريكي للمملكة العربية السعودية، وذلك في مقابل استقبال لاجئين من قطاع غزة، سواء عبر توطينهم داخل السعودية أو عن طريق تمويل إعادة توطينهم في دول أخرى، قد تكون عربية أو أجنبية. هذا السيناريو يطرح تساؤلات عميقة حول الأبعاد السياسية والإنسانية لهذه القضية، والتي قد تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه.
من خلال قراءتنا ومتابعتنا عن كثب للإحداث المتسارعة في المنطقة العربية وبالأخص ما يحدث حاليآ من مارثون الصفقات بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين في كلا الجانبيين، نرى أن هناك في الأفق رؤية تتبلور وتتمحور لنا تداعياتها حول بعض من خفايا مشروع رجل الأعمال” ترامب ” لتحويل قطاع غزة الى مشروع عقاري استثماري، وبتلميحات أخرى من قبله، ومن خلال مشاركة دول مثل السعودية والإمارات وقطر في تمويل جزء أو أجزاء أو استثمار في مشروعه المعنون “ريفيرا قطاع غزة ” وما نحن بصدد قراءته الإن في هذا السياق، حيث تشير معظم الإحداث الى أن هناك ملف يتم إعداده حاليآ في أورقه دهاليز البيت الأبيض، والتي قد تظهر معه تدريجيا وبالتتابع وبصورة خفية غير علنية في البداية لغرض جس النبض عن الضغوط الأمريكية التي سوف تمارس على السعودية ومن خلال إعادة فتح ملف أحداث 11 سبتمبر، وهذه الضغوط المتوقعة سوف تظهر في البداية على سطح الأحداث ومن خلال الإيعاز الى عوائل الضحايا الأمريكان بالاتصال بهم مرة ثانية، وتكون بدايتها من خلال صحفيين وكتاب وباحثين اليمين المتشدد وحثهم في برامجهم الحوارية، على إعادة فتح سردية هذا الموضوع لتشكيل صورة مبدئية للراي العام الأمريكي لاستخدامها بعد ذلك، كإدارة للابتزاز وعلى حث عوائل الضحايا على التظاهر أمام مبنى الكونغرس والبيت الأبيض، وفتح الموضوع لدى المحكمة العليا الأمريكية، وحتى اذا رفضت المحكمة العليا أو أي قاضي فدرالي بفتح موضوع ملف أحداث 11 أيلول سبتمبر لسبب أو لأخرى، فان مجرد التحدث فيه وتسليط الضوء عليه من خلال ماكينة دعاية الإعلام الأمريكي وبرامجه الحوارية، يعتبر لدينا نوع أخر ومستحدث من الابتزاز السياسي، والهدف والغرض سيكون بالدرجة الأساس لحث السعودية لغرض الرضوخ وتنفيذ المطالب الأمريكية والضغط بعدها لاستقبال لاجئين من قطاع غزة أو في أسوأ الظروف أعادة توطينهم في الأردن ومصر وسوريا والعراق والسودان والتمويل المادي لهذا التوطين سوف تتحمله بالدرجة الرئيسية السعودية، وعن مدى ما سوف تصل اليه بعدها لتعقيد العلاقات بين البلدين.
هذه الإجراءات وأن تم اتخاذها والعمل عليها خلال الفترة القادمة، نحن في اعتقادنا الإن لن تكون مجرد قضايا قانونية أو إنسانية تثار بين الحين والأخر، بل هي سوف تندرج ضمنيا وحسيا كأدوات سياسية مبتكرة تستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى وستكون حتما لصالح إسرائيل وحتى أن يكون لها دورا في هذا الابتزاز من خلال أعضاء متنفذين ومتشددين لليمين المتطرف في “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية/ الإيباك” ولكن وفي نفس موضوع طرحنا لهذا السياق وفي المقابل تثير لدينا تساؤلات جوهرية عن طريقة وكيفية التي سوف يتعين عليها الدبلوماسية السعودية التعامل مع هذا الطرح أو الملف : هل سوف يتخذون جانب الحيطة والحذر للتعامل مع هذه الضغوط ؟ أم سوف تكون هناك ردة فعل قاسية وعنيفة وغير مدروسة نتائج عواقبها وما سوف تترتب عليها من تداعيات أو سوف تكون مناقشات خافية للخروج بأقل الخسائر الممكنة ومع حفاظ السعودية على مصالحها الوطنية وسيادتها.
صحيح أن العلاقات السعودية الأمريكية في عهد الرئيس “ترامب” أصبحت مثالًا على كيفية تشابك المصالح والصراعات في السياسة الدولية، من حيث أصبحت معها أن تتحول القضايا التاريخية والإنسانية إلى مجرد أدوات للتفاوض والضغط والابتزاز، وكما هو معروف تعد العلاقات السعودية الأمريكية واحدة من أكثر التحالفات السياسية تعقيدًا في الشرق الأوسط منذ العقود الماضية، حيث تتشابك فيها المصالح الاستراتيجية مع التوترات السياسية والأمنية في المنطقة. ولكن في الآونة الأخيرة، ومع تسارع التصريحات بتهجير سكان قطاع غزة والإصرار الأمريكي عليها، برزت لنا ومن خلالها مؤشرات قد تكون غير معلنة الإن وخافية على توجه الإدارة الأمريكية نحو استخدام أدوات ضغط غير مباشرة على السعودية، ومن خلال إعادة فتح ملف أحداث 11 سبتمبر، وإلى جانب الضغط من جهة أخرى لاستقبال لاجئين من قطاع غزة أو تمويل إعادة توطينهم. هذه الخطوات تثير لدينا تساؤلات مشروعة نطرحها بدورنا على الراي العام العربي، حول ما سوف تكون عليه الأبعاد السياسية والاستراتيجية الخفية والكامنة وراء هذه الإجراءات، وما إذا كانت تشكل شكلاً أخرى وغير مدرج ضمن العلاقات واللياقة الدبلوماسية بين الدول أو شكل من أشكال الابتزاز السياسي وبالتالي نستطيع أن لخصها بالمحاور التالية:
أولاً: إعادة فتح ملف أحداث 11 سبتمبر كأداة ضغط
شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول مصيرية في العلاقات السعودية الأمريكية، حيث اتُهمت المملكة صراحة من قبل أعضاء الكونغرس ومجلس النواب بتوفير بيئة خصبة لتنمية التطرف، وعلى الرغم من نفيها المتكرر لأي علاقة مباشرة بالهجمات. ولكن في السنوات الأخيرة، أعادت الإدارة الأمريكية فتح هذا الملف ومن خلال دعاوى قضائية ومطالبات بتعويضات مالية طائلة جدا، مما أثار في حينها تساؤلات حول دوافع هذه الخطوة. ومن الناحية السياسية، نحن نعتقد أن إعادة فتح الملف لغرض أن يُستخدم كأداة ضغط لدفع السعودية نحو تبني سياسات تتوافق دائما مع المصالح الأمريكية في المنطقة. وفتح الملف ليس مجرد قضية قانونية أو أخلاقية، بل هو أيضًا أداة سياسية لتحقيق أهداف أوسع وأعمق واشمل، وكمثل إجبار السعودية على تعديل سياستها الخارجية أو الداخلية لصالح أجندة واشنطن وإسرائيل.
ثانيًا: الضغط لاستقبال لاجئين من قطاع غزة وإعادة توطينهم:
في سياق آخر، نحن نعتقد بأن تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا على السعودية لقبول لاجئين من قطاع غزة وإعادة توطينهم على أراضيها. وهذا الطلب وإن كان مرفوض حاليآ بشدة من قبل السعودية، ولكن قد يتم قبوله تحت ستار ومخرج غير محرج لهم، وان يأتي من خلال ماكينة الدعاية الإعلامية لغرض أن يأتي الحديث في صيغة إطار الجهود الدولية لتخفيف الأزمات الإنسانية في المنطقة، ولكنه يحمل أيضًا أبعادًا سياسية عميقة حول مدى جدية فتح ملف أحداث 11 أيلول. ولكن سوف يتم تبريره بعد ذلك من خلال تخادم وسائل الإعلام مع سلطة الحكم لغرض تخفيف حدة هذا التوجه على الراي العام السعودي والعربي ومن خلال توجه الخطاب الحكومي والتركيز على الناحية الإنسانية، ويُنظر إلى استقبال اللاجئين كواجب أخلاقي عربي متعارف عليه، وخاصة في ظل الأزمات الإنسانية المستمرة في قطاع غزة. ولكننا نشير كذلك بدورنا كمتابعين للحدث وتداعياته على أن الضغط الأمريكي على السعودية سوف يثير حتما تساؤلات حول مدى ارتباط هذا الطلب بتحقيق أهداف سياسية، مثل تقليل الضغط الدولي على إسرائيل أو إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية في المنطقة.
ثالثًا: الأبعاد الاستراتيجية المستقبلية للضغوط الأمريكية:
شكلت خلال العقود الماضية، وتشكل معها صور متباينة من مختلف الضغوط الأمريكية على السعودية، والتي كانت بدورها كجزء لا يتجزأ من استراتيجية أوسع كانت وما تزال تهدف دوما إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات في الشرق الأوسط كلما كانت هناك أزمة تلوح في الأفق، وهذا ما شاهدناه على أرض الواقع أثناء المقاطعة السعودية الإماراتية المصرية ضد دولة قطر عندما حاولت الأخير مجرد التفكير خارج الصندوق، وإبداء رأيها في سياسات السعودية تجاه جيرانهم والمنطقة ككل، ولذا من خلال استخدام ملف أحداث 11 سبتمبر وقضية اللاجئين، تسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز نفوذها وتوجيه سياسات السعودية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة . وهذه الضغوط تضع السعودية في موقف صعب، حيث يتعين عليها الموازنة بين الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن وعدم المساس بمصالحها الوطنية وسيادتها. كما أن هذه الخطوات قد تؤثر على صورة السعودية الدولية، خاصة إذا تم تصويرها من خلال وسائل إعلام اليمين المتشدد على أنها تخضع دوما لضغوط خارجية.
وأخيرآ وليس أخرآ نحن نرى الآن، وبعد عودة “دونالد ترامب” لاستلام السلطة، بدأت ملامح سياساته تتخذ طابعًا استثنائيًا منذ اليوم الأول لتوليه مهامه الرئاسية. من خلال القرارات التنفيذية التي وقعها في البيت الأبيض، وبدا معها أن نهجه السياسي يتسم بسمات فردية تسيطر عليها نزعات تتجاوز الحدود التقليدية للدبلوماسية. وأصبحت تسيطر على عقليته بوادر لجنون العظمة، وفي إطار تعينه لفريق مكتب السياسة الخارجية، والذي يضم أعضاء جددًا، بدا أن القيود الأخلاقية والسياسية التي تحكم العلاقات الدولية قد تم تجاوزها بصورة واضحة وجلية لنا ، حيث أصبح كل شيء مباحًا دون مراعاة للتحالفات التقليدية أو القيم الدبلوماسية التي كانت تحكم العلاقات مع الدول الأخرى . صحيح إن الموضوع الذي طرحناه أعلاه في هذا المقام قد يبدو للرأي العام مفاجأ لهم بعض الشيء وما يزال خارج نطاق التغطية الإعلامية، وقد يكون ما يزال في الإدراج السياسية ويطبخ على نار هادئة، ومع هذا نحاول أن نستبق لرؤية هذا الحدث الذي يلوح بالأفق، ومن خلال قراءتنا لمستقبل هذا الموضوع وطرحه على الراي العام ومن باب العلم بالشيء ومناقشتها بأسلوب علمي أكاديمي عن الجهل به!