سلاح ضبط النفس

في عام 1991 حافظت إسرائيل على أقصى درجات ضبط النفس ولم ترد على 39 صاروخا بالستيا عراقيا أمر بإطلاقها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، رغم إن إطلاقها لم يأت دفعة واحدة، بل استمر الإطلاق لعدة أسابيع. نجحت في ضبط انفاسها وعدم الرد على تلك الصواريخ تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، لأن عملية الرد الإسرائيلي على تلك الضربات كان من شأنها لو حدثت أن تغيّر الكثير من المواقف الرسمية للدول المشاركة في التحالف الدولي على العراق عام 1990-1991 تحت خيمة التحالف الدولي.

في حرب غزة الحالية، حافظت ايران على مستوى معين من ضبط النفس بعد تلقيها العديد من الاستفزازات الإسرائيلية، بدءاً من تدمير غزة ومقتل العديد من القادة الايرانيبن في سوريا ولبنان وصولاً الى كلايمكس تصفية القادة الكبار المتمثل بمقتل هنية ونصرالله رحمهما الله. ورغم كل تلك الإستفزازات حاولت جاهدة عدم التورط في دخول الحرب مع اسرائيل. ايران استطاعت أن تتجاوز مقتل هنية في طهران، وتقريباً وصلت رسالة ايران الى العالم، ووجدت لنفسها مخرجاً يجنبها الرد المكلف. حتى مع كلايمكس مقتل نصرالله ، حاولت أن تتجاوز تلك المحنة مرة ثانية وحافظت على ضبط نفسها العميق، وأعطت تبريرات لعدم الرد، وتبريراتها هذه المرة كانت منطقية من حيث إبعاد ايران عن شبح الدمار الذي سيحصل بحرب غير متكافئة مع اسرائيل واميركا، لكن الضغط المتواصل داخل المؤسسات الايرانية المتعددة، وأهمها الحرس الثوري مع الضغط الشعبي في ساحاتها وضعها على المحك، ودفع المرشد الإيراني الى الركون لخيار الرد المحدود غير المتواصل، على أمل أن لا ترد اسرائيل، وهو كما يبدو ما لا يمكن ضمانه.

ومن أهم أسباب نفاذ صبر ايران الاستراتيجي الذي راهن الكثير عليه، هو الخوف على مكاسبها التاريخية في عمقها الطائفي العربي، والتي حققتها عبر العقود الأربعة الماضية، وخوفها أيضاً من تفكيك الساحات التي تمتلكها في عمقها العربي، وأهمها ساحات حزب الله في لبنان وسوريا.

إيران ابتلعت الطعم وهي تعرف أنه طعم مسموم، لكنها تأمل أن يكون شراً أهون من شر، ولتضمن بهذا الطعم عدم ضياع وتشتت أذرعها، والحفاظ على مصداقيتها، ومن جانب أخر فإن الرد الإيراني الأخير يمثل جرعة منشطة إجبارية لتعزيز موقفها المعلن تجاه القضية الفلسطينية الذي جاهرت به منذ أربعين عاماً، بأن معركتها تجاه القدس هي معركة مقدسة.

مقياس الشعارات هو نسبة تنفيذها، نسبة تنفيذ الشعارات الإيرانية في هذا الاتجاه ما زالت متدنية، وتحتاج ايران الكثير من العمل الصادق لكي تثبت لكل العالم الإسلامي بأن معركتها مع الكيان الصهيوني ليست على النفوذ، بل هي معركة اسلامية مصيرية، هدفها تحرير القدس وباقي الأراضي المحتل.

أقرأ أيضا