أثارت أحداث الساحل السوري الأخيرة والمجازر المؤلمة التي وقعت للمدنيين السوريين من الطائفة العلوية الكثير من التساؤلات عن مستقبل سوريا والتحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجه النظام السياسي الجديد في سوريا.
لقد سقط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 بعد 14 عاما من انطلاق الحراك الشعبي السلمي المدني في 15 آذار/ مارس أي في مثل هذا اليوم من عام 2011 والذي تطور خلال سنواته السابقة الى نزاع مسلح وحرب داخلية مريرة وقاسية استجلبت تدخلات خارجية دولية واقليمية وبلغت ضحاياها (أي الحرب الداخلية) أكثر من 600 ألف شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة وأكثر من 7 ملايين نازح من اللاجئين الذين تركوا مدنهم وقراهم.
وبالنظر الى قساوة الحرب الداخلية والنزاع مع نظام بشار الاسد وما وقع فيها من جرائم واعمال وحشية علاوة على سياسات بشار الاسد في استعداء المكونات السورية واستخدام بعضها على البعض الآخر وارهابها من بعضها البعض فقد كان مقلقا ان تقع مجازر وتصفيات طائفية بين السوريين بعد سقوط بشار. غير أن الستين يوما الأولى من بعد التغيير مرت بسلام، مما بعث على الارتياح والتفاؤل بإمكانية استمرار الهدوء وانحسار التوتر والاتجاه نحو بناء الدولة والنظام من جديد على قاعدة عريضة من المشاركة الوطنية لكل الأطياف والمكونات السورية، غير أن الذي وقع في الساحل السوري في مدن اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة وأريافها من اشتباكات مسلحة عنيفة بين عناصر النظام السابق وتشكيلات النظام الجديد العسكرية والتي توسعت الى عمليات انتقام دموية من المدنيين العلويين خلفت مجازر وأعمال قتل وحشية سببت انتكاسة امنية كبيرة وقلق وخوف كبيرين من امكانية تطور الأوضاع نحو الأسوأ، مما أعاد الى الصدارة كتلة من التحديات الكبيرة التي من الممكن أن تهدد سوريا ووحدتها ومستقبلها السياسي.
إن سوريا حالها حال الكثير من دول الشرق الأوسط العربية والإسلامية تتشكل من طيف واسع من المكونات الدينية والمذهبية والإثنية، فيها العرب والكرد والتركمان وفيها المسلمين والمسيحيون وتضم السنة والعلويين والدوروز والاسماعيلية والشيعة والمرشدية، ويشكل هذا الفسيفساء السوري أول التحديات الكبيرة في مرحلة اعادة بناء الدولة السورية وتشكيل نظامها السياسي الجديد وان عملية البناء بحاجة اولا الى المحافظة على السلم الاهلي وضمان الامن والاستقرار والتعايش بين كافة المكونات السورية، ومن الطبيعي جدا ان يعمل المتضررون من سقوط نظام بشار الاسد سواء في الداخل والخارج على اثارة المشاكل للحالة السورية الجديدة وتفجير السلم الاهلي باثارة الفتن الداخلية بين المكونات السورية وبينها وبين السلطات الجديدة لغرض عرقلة بناء الدولة السورية.
إن اللعب بنيران التعددية الاثنية والدينية والمذهبية في سوريا تحد كبير وخطر أكبر يهدد مستقبل الدولة السورية ووحدة أراضيها، ولذلك كانت أحداث الساحل السوري أول وأكبر تحد تعرضت له دمشق لما بعد بشار الأسد.
لقد خرجت سوريا وبشكل لا يمكن تصديقه من نظام شمولي دكتاتوري ومن أعتى الديكتاتوريات المعروفة وقد خلف من وراءه مشاكل كثيرة ومعقدة تحتاج الى الكثير من المهارات والحكمة والادارة الناجحة، ولذلك فان على الادارة الجديدة ان تمتص حالات التشنج والتوتر والاحتقان وان تحتوي اندفاعات الانتقام لاي سبب كان وان توكل الاقتصاص وتحقيق العدالة من المجرمين الى العدالة الانتقالية وقوانينها وان تتوجه الى تشكيل دولة على قاعدة واسعة من كل المكونات السورية وحكومة مشاركة من كل السوريين.
ومن المناسب الإشارة إلى أن اللعب على وتر التركيبة الطائفية والعرقية في سوريا لا يهدد سوريا لوحدها، وإنما يهدد مساحة اوسع في المنطقة لاسيما العراق، ولذلك ينبغي الحذر من التعاطي السلبي مع هذا الملف ووقف حملات التحريض والكراهية وان يكون التعاطي ايجابيا والمساعدة في نشر الهدوء والتقريب بين المكونات السورية وتحقيق السلم الاهلي والتشجيع على بناء سلطة وطنية شاملة لكل السوريين لان امن سوريا هو امن العراق والعكس صحيح علما ان سوريا اذا اجتازت التحدي الاول في منطقة الساحل وبشيء غير قليل من الدماء والدموع فإن أمامها لا تزال تحديات كثيرة خطيرة وكبيرة لا يزال عليها أن تعبرها بسلام وأمان الواحدة تلو الأخرى.