صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

شريك ولكن.. كيف يرى التركمان استبعادهم من التمثيل الحكومي؟

تستمر بيانات السياسيين التركمان المنددة بغياب تمثيل المكون التركماني في الكابينة الوزارية في حكومة السوداني -التوافقية- منذ ان قدم الاخير مرشحيه لنيل الثقة من قبل مجلس النواب بعد مرور سنة من الانتخابات النيابية الاخيرة والتي تضمنت 21 وزيرا اضافة الى وزارة الاسكان التي حسمت لاحقا للحزب الديمقراطي الكردستاني ووزارة البيئة التي لا زالت شاغرة.

ان هذه البيانات موجهة لمراكز صنع القرار في بغداد بالدرجة الاولى، وإنها ايضا تخاطب الجماهير التركمانية القلقة من نتائج أستمرار استبعاد ممثليهم من المشاركة في إدارة البلاد. وبسبب هذه المخاوف يتمسك القيادة التركمانية بحق التمثيل، مطالبين من شركائهم في الوطن “مؤازرتهم وعدم غبنهم، وأنهم سيلجأون خلاف ذلك الى خطوات اخرى لاسترجاع حقهم في التمثيل في السلطة التنفيذية المتمثلة بمجلس الوزراء”.

تأكد ممثلي التركمان على ان وجود وزيرا يمثلهم في مجلس الوزراء ويوصل معاناتهم الى الحكومة تعتبر أمرا مصيريا تأتي فوق المصالح السياسية. ومن هذه المنطلق نلاحظ وحدة الخطاب التركماني -حتى لو كان ذلك مرحليا- والسعي من اجل تحقيق تمثيلهم في الحكومة.

لو نفترض أن سبب عدم منح حق التمثيل للتركمان في الكابينات الوزارية مرتبط بكثافتهم السكانية اذاً كيف للمكونات الاقل منهم كثافة وتمثيلاً في مجلس النواب يتمكنون من ضمان مقعداً وزاريا في جميع الكابينات التي عاقبت سقوط النظام السابق؟ لسنا بالضد من ان ينال اي طرف مكانتها في الحكومة، ولكن الذي نبحث عنه هو الاستبعاد الممنهج الذي يتعرض له التركمان من قبل جميع الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية والى يومنا هذه.

لنفترض أن توزيع المناصب والأدوار في جميع الحكومات التي عاقبت 2003 تجرى على أساس تمثيل المكونات (مع أخذ الكثافة السكانية بنظر الاعتبار)، إذاً كيف يصبح رئيس الجمهورية من الكرد ورئيس مجلس الوزراء من الشيعة ورئيس مجلس النواب من السنة عرفاً سياسياً بغض النظر عن الاحزاب او الكتل السياسية التي تغتنم هذه المناصب باسم مكوناتهم ومن دون أن ينال التركمان حقهم من هذا التمثيل، وهم يعتبرون المكون الأساسي الثالث في البلاد بعد العرب والكرد حسب ما جاء في قرار مجلس النواب العراقي في 21 نيسان 2012. وإذا كانت نتائج الأنتخابات معياراً أساسياً للتمثيل إذا كيف تبقى الرئاسات الثلاثة بيد ثلاث مكون دون الأخذ نتائج الانتخابات بنظر الأعتبار. ولنفرض تستند هذه التقاسم على مشاركة الجميع في إدارة الدولة، إذاً اين التركمان من هذه التقاسم؟

هناك اسئلة أخرى كثيرة يسئلها ويناقشها المجتمع التركماني يومياً فيما بينهم سواء في الشارع وفي التواصل الأجتماعي أو في كروباتهم المغلقة دون أن تصل أصواتهم إلى صناع القرار في بغداد، عدا أصوات البعض من سياسييهم الذين لا يعبرون عدد أصابع اليد، ومن دون أن تجلب ذلك أيضاً نتائج ملموسة لهم.

ما الذي يقف بين التركمان وحقهم التمثيل في الحكومة العراقية؟

حيث يتضح ان قواعد تقاسم المناصب ليست مستندة تماما على اساس النسبة السكانية للمكونات او النسبة الانتخابية، مما وضع التركمان امام الامر الواقع للقبول بمنصب وزير في مجلس الوزراء فقط كي يشاركوا في اخذ القرارات، لكن حتى مع هذا التنازل فأن التركمان يعانون من ضمان هذا الحق.

لن نكون منصفين إذا قُلنا بأن في الكابينات الوزارية لم تكن وزراء من القومية التركمانية، نعم أصبح شخصيات تركمانية وزراء في البعض من الحكومات خصوصاً في الحكومة الثانية للسيد نوري المالكي كان في كابينته ثلاث وزراء من التركمان، والذي منح لهم الوزرات من كتلهم السياسية (الشيعية والسنية). ولكن نحن نناقش التمثيل التركماني على أساس التمثيل القومي.

التركمان رغم معاناتهم الطويلة مع الدولة العراقية، إلا انهم بقوا متمسكين في وحدة بلادهم وعملوا من أجل الحفاظ على أمنها وأستقرارها. وبالرغم من أن ليس للتركمان أي حملة تضر بوطنهم أو تشكك في وطنيتهم، ولكن يبدوا أن الصبغة التاريخية على أنهم بقاية عثمانية والتي اخترعتها العقلية البعثية وروجت لها بقيت في أذهان الكثير من شخصيات الجيل السابق الذين أصبحوا يديرون الدولة بعد 2003.

تبدأ معاناة التركمان في الظهور بشكل أكبر مع بدء جولات تشكيل الحكومات بسبب سياسة الأهمال قد تكون ممنهجة التي يتعرضون لها من خلال إستبعادهم من مفاوضات قادة القوى السياسية للأحزاب الحاكمة. فبعد أن تم تغيير ديمغرافية مناطقهم التي ساهمت بشكل مباشر على نتائج الأنتخابات في المناطق التي كانوا يشكلون فيها كثافة سكانية عالية، كذلك يتم سرقة أصواتهم المتبقية بشكل ممنهج في جميع الأنتخابات كما جاءت ذلك في تقارير محلية ودولية. وحيث ترافق نتائج الإنتخابات المشبوها فيها، غصب إستحقاقهم القومي في رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة المجلس، وكذلك في الكابينة الوزارية والهيئات المستقلة و الدرجات الخاصة.

فبعد مرور سنة كاملة من الأنتخابات النيابية الأخيرة والتي أٌجريت في 10 تشرين 2021، حيث ساهمت نتائجها إلى الإنسداد السياسي، أستبشر العراقيون من إتفاق الأطراف السياسية على تشكيل حكومة توافقية -شبيهة الحكومات السابقة- التي تدّعي بأنها ضامنة لأستحقاق جميع المكونات. وأن التركمان بالرغم من أنهم لم يتمحوروا عند أي من الطرفيين الشييعيين (كتلة التيار الصدري و كتلة الإطار التنسيقي) المتنافستيين على تشكيل الحكومة، إلا انهم أبدوا مخاوفهم من نية الأطراف المنضمة في إئتلاف إدارة الدولة من إستبعادهم من الحكومة الجديدة. ولدة هذه المخاوف بعد ان لم تقدم لهم الدعوة للمشاركة في إجتماعات أو المفاوضات قادة الكتل لمناقشة الخطوات النهائية لإعلان حكومة السيد محمد شياع السوداني الى ان تم الانتهاء من صياغة البرنامج الحكومي دعوا الى التوقيع تحت البرنامج وهم رفضوا ذلك حسب ما جاء على لسان السيد حسن توران رئيس قائمة جبهة تركمان العراق الموحد.

بعد أن منح مجلس النواب بتاريخ 27 تشرين 2022 الثقة لحكومة السوداني والتي تضمنت 21 وزيراً اضافة الى وزارة الاسكان التي حسمت لاحقا ووزارة البيئة التي لا زالت شاغرة، من دون تمنح المكون التركماني مقعداً وزارياً. كان التركمان يطمحون التواجد في الكابينة الجديدة من أجل خدمة الشعب العراقي بشكل عام وتقليل جزء من معاناة مكونهم، وبعد خيبتهم في عدم منحم حق التمثيل في الحكومة، صدمتهم واستفزتهم البرنامج الحكومي والتي تضمنت مواد وفقرات تهدد وجودهم ومستقبل مناطقهم -المناطق المتنازعة عليها- وفي مقدمتها ملف كركوك الشائكة دون الأخذ حساسية و رأي التركمان بنظر الإعتبار. حيث أدركوا أن تواجدهم في مجلس الوزراء أصبح “مسئلة مصيرية” بقدر ما كانت ضرورية.

حيث ان البعض يرى بأن وجود السيد ثابت بشار هلاي بيك (من مدينة تلعفر) وزيرا للدفاع هو من يمثل الأستحقاق التركماني في الحكومة الحالية. مع الأعتزاز بتركمانيته، السيد ثابت هو قيادي في (تحالف العزم) وبالتالي حصل على المنصب الوزاري من حصة الكتلة الذي ينتمي اليها. ولكن القوى التركمانية المتمثلة بـ “قائمة جبهة تركمان العراق الموحد” متمسكة بمطلبها الوزاري كأستحقاق قومي اسوة بباقي المكونات العرقية والمذهبية.

أسباب أستبعاد التركمان من الحكومات

يبرر رؤساء الوزراء وقادة الكتل ضعف التمثيل التركماني وعدم حصولهم على استحقاقهم في كابيناتهم الوزارية بانهم يرون انقسام وخلافات بين قيادات التركمان، وعدم اتفاقهم على تقديم اسماء مرشحين محددين يتوحد عليها رأي الاحزاب والشخصيات السياسية التركمانية. حيث أن خلفية هذه التفكير مرتبط بتواجد نواب تركمان في كتل سياسية مختلفة، الشيعية منها والسنية، وقد يقوم هذه النواب غالبا بتقديم مصلحة كتلهم أمام مصلحة مكونهم، والإ لماذا لايعرضون موقفا جادا داخل كتلهم التي يهمشون مكونهم.

ورغم اننا نرى رؤساء الاحزاب التركمانية ونواب التركمان يقفون معا خلف تصريح صحفي لخطاب موحد لاجل مقعد وزاري تركماني الا ان هذا التوحد تعتبر مرحليا من اجل ضمان المقعد الوزاري، وان استمرار هذا التوحد ليس متوقعا حينما يتم طلب تقديم اسم شخص لحقيبة وزارية التي من الممكن ان يتسبب في اختلاف الاراى وتقديم اسماء عدة عبر قنوات مختلفة، والتي قد تتسبب في تغير رأي الحكومة وتتراجع عن قرارها (وهي قد ما تتمنى).

مع ان الحركة السياسية التركمانية لم تنجح في تكوين كيان سياسي موحد تحافظ على الهوية القومية وتبعد مكونهم من الانصهار داخل الإنتمائات المذهبية والمناطقية، وتسطتيع ان تكون قد كسبت التأييد الجماهيري بشكل واسع تجهله الممثل الحقيقي في جميع المناطق التي تشكل التركمان فيها غالبية. كذلك مازالت الاطراف المسيطرة على السلطة في البلاد تعمل من أجل إذابة التركمان داخل الهويات المذهبية (شيعية وسنية)، وحيث ان هذه المحاولات لم تأتِ من أجل منح التركمان حقوقهم وتقويتهم؛ وإنما لأجل كسب وزيادة عدد أكبر من المناصب لمذهبهم، على حساب هذه المكون الأصيل الذي حافظ على انتمائة الوطني، رغم تعرضهم المستمر لسياسات القمع والتهميش.

وان تخبط الحركة السياسية التركمانية وتبني احزابها اهدافا سياسية مختلفة عن بعضها البعض بين قومية ومذهبية ومناطقة، وعدم تحقيق الوحدة التركمانية تحت سقف واحد لتكون مرجعهم السياسي على سبيل المثال “المجلس التركماني العليا”، لتحديد سياساتهم المصيرية وأخذ قرارت حاسمة تخص حاضرهم ومستقبلهم. كذلك كثرة عدد احزابهم بايديولجيات مختلفة مقارنة مع كثافتهم العددية والتي اثرت بشكل مباشر على عدم إضهار ثقلهم الحقيقي في جميع الانتخابات منذ 2005. وكذلك هناك احزابا كارتونيا مدعومة من الاحزاب الكردية لشق الصف او لخلق راي سياسي مختلف عن تطلعاتهم القومية، مثلما شاهدنا احزابا تحمل اسم التركمان أيدت أستفتاء انفصال اقليم شمال العراق في 2017.

ان الطريقة الأساسية للمشاركة في الحكومات التوافية او التشاركية في العراق المبنية على نظام النقاط والتي تعتمد على عدد نواب الكتل، والتي على أساسها تقسم الرئاسات والوزارات – مثلا الوزارة الخدمية 4 نقاط تقابل 8 مقاعد في مجلس النواب-. وان عدم التخطيط بشكل جدي من قبل الاحزاب التركمانية في جمع أصوات شعبهم في قائمة تركمانية موحدة، وتوعية وتعبة الجماهير للمشاركة المكثفة للانتخابات ودعمهم تلك القائمة، انعكست سلباً على عدم إظهار ثقلهم الحقيقي، وضعف تمثيلهم النيابي وأثرت ذلك على إستحقاقهم الانتخابي والتي عكست الى دورهم في الحكومات، او عدم تمثيلهم اصلا في مرات عديدة.

فبالاضافة الى ضياع عشرات الاف من اصواتهم اما بسبب عزوف الجماهير من المشاركة او بسبب القوانين الانتخابية او ترشيح شخصيات تركمانية من مناطق مختلفة سواء بشكل مستقل او من احزاب الغير التركمانية. فان النواب الفائزون عن اصوات التركمان من قوائم عربية، ينتهي بهم الامر في كتل شيعية او سنية غالبا ما يصعب عليهم تلبية تطلعات الشارع التركماني. وفي كل دورة تشريعية يتواجد نواب التركمان في كتل سياسية مختلفة، ولكن يصعب عليهم ان يشكلوا كتلة تركمانية -حقيقية ورسمية- في البرلمان العراقي، يمتلك اعضاؤه صوتا موحدا. وكما هو الحال في الدورة التشريعية الحالية، فالرغم من تواجد عدد من التركمان في كتل مختلفة الا ان هناك كتلة تركمانية متكونة من نائب واحد.

وان عدم مقدرة التركمان من الوصول الى العدد الازم من المقاعد المطلوبة لمقعد وزاري، يؤدي ذلك لتعويل ممثلي التركمان على “الاستحقاق القومي” عوضا عن الاستحقاق الانتخابي الذي يكون ضامنا اكثر لحق التمثيل خصوصا وانه ينهي الخلاف على اسم المرشح. وان بغداد تارة يجب على ندائاتهم حتى وان كانت تأتي تلك الاجابة متاخرة، وتارة اخرى يتم التغاضي عن مطالبهم وذلك بسبب الضغوطات الداخلية والخارجية.

فإن الاحزاب التركمانية المنادية بالإستحقاق القومي عادة تكون الاحزاب القريبة من تركيا التي تربطهم أواصر العرق والتاريخ واللغة، وتدعم الاخيرة وجودهم ضمن حدود عراق موحدة، وتحت سلطة الحكومة المركزية. حيث أصبح تتعامل الحكومات في بغداد مع شعبهم التركماني على اساس علاقتها مع حكومة أنقرة. فمع المتغييرات التي تحصل في علاقة الدولتين، كذلك تتغير علاقة الدولة مع جزء مهم من شعبه. ولا نستبعد ضغوطات الاحزاب الكردية ايضا الذين يعتبرون العنصر المهم في تشكيل الحكومات. ومن هذه المنطلق يجب على بغداد ان تعيد النظر في تعاملة مع التركمان ومكانتهم في الدولة.

مثلما هناك تاثيرات داخلية في استبعاد التركمان توجد تأثيرات خارجية ايضا. ان أغلبية متابعي الشأن العراقي يرون تأثير الدور الخارجي في العملية السياسة العراقية، وأن الدور الايراني والاميركي حاضرة في التوافقات لتشكيل الحكومات العراقية، حيث تتوافق وتصطدم مواقف القوى الاقليمية والدولية من ملف لاخرى مع تفاوت نسب الدور بينهما من مرحلة الى اخرى. رغم ان لدى الدولتين ملفات ستراتيجية مشتركة مع تركيا الا ان حجم التنافس فيما بينهم اكبر من حجم التعاون. وبعد الاحتلال استبعدت الولايات المتحدة الأميركية المكون التركماني عن إدارة الدولة العراقية، وجرى اضعاف دورهم في العملية السياسية خشية من ازديات النفوذ التركي في الدولة العراقية. وكذلك إيران ايضا تحاول إبعاد الخط القومي التركماني من ان ينال الدور الحقيقي في الحكومة المركزية والحكومات المحلية، خشية من ان تسبب المكاسب القومية للتركمان في العراق الى تحركات أتراك ايران في المطالبة بالحقوق المماثلة من طرف، ومن طرف اخر هي ايضا كخصمها الأميركي تحاول حجب الدور التركي في السياسة العراقية التي تعتبر خصمها الجيوسياسي في المنطقة.

ورغم قبول الرأي العام التركماني بهذه الحقائق وصعوبة الظروف التي تقف امام التركمان لنيل حقوقهم، الا أن هنالك نسبة كبيرة من الجمهور يرى ان المؤسسات السياسية التركمانية لم تكن على قدر من المسؤولية في مواجهة هذه التحديات وفي التفاوض مع القوى العراقية. ومع انهم يدركون حجم المؤامرة التي تحاك ضد مكونهم، تبقى جهودهم غير كافية في تغيير رؤية وقناعة بغداد والقوى الاقليمية والدولية على حد سواء، الذين يدفعون بأتجاه ان لاينال التركمان مكانتهم في مفاصل الدولة. ونعزوا سبب ذلك لعدم قدرتهم على توحيد الخطاب التركماني، وتشكيل لوبي سياسي في بغداد تدعم تطلعاتهم، وكذلك لم يستطيعوا حتى الان كسب دعم الجماهير بشكلها الأوسع، والتي تعتبر من أقوى ورقات الضغط على الحكومات. ومع ملاحظة زيادة الاحباط في الجماهير التركمانية بعد كل انتخابات وعزوف نسبة من المشاركة بسبب عدم التماسهم نتائج من الاحزاب التركمانية مما يزيد من اتساع الفجوة بين الاحزاب والجماهير.

كيف تستجيب بغداد لمطالب التركمان في التمثيل؟

من المعروف ان أدوات السياسة العراقية لتشكيل الحكومة تتعدى الديمقراطية التقليدية المعتمدة على الأنتخابات، لتدخل في المعادلة وسائل ضغط تتعلق بالقوى الاقليمية والدولية إضافة الى ضغط الشارع. وحيث أننا نرى أن الأحزاب السياسية التركمانية لا تستطيع إستعمال هذه الأدوات للضغط على مراكز صنع القرار في بغداد لإجل نيل حقوق مكونها. فالضغط من خلال الشارع يمثل تحديا للأحزاب السياسية التركمانية في تحشيد الجماهير التركمانية بالإستناد إلى واقع عدم تواجد التركمان ضمن جغرافية مغلقة، وكذلك إختلاف توجهات الشعب التركماني -خصوصا بعد إحتلال داعش لأغلب مناطقهم في 2014- ودعمهم لإحزاب مختلفة والتي تتغير من منطقة لاخرى. وعدم فعالية الأدوات الإعلامية التركمانية لاقناع الشارع بهذه الخطوة بأخذ المظاهرات والاعتصامات التركمانية السابقة التي لم تؤدي الى نتائجها المرجوة بعين الاعتبار.

وان خيار اللجوء للمجتمع الدولي يبدو ايضا غير مجديا نظرا لمباركة سفيرة الولايات المتحدة (الينا رمانوسكي) ومندوب الأمم المتحدة في العراق (جينين بلاسخارات) للسيد السوداني على تشكيل الحكومة، حيث ان المجتمع الدولي له اولوية تشكيل الحكومة العراقية بغض النظر عن مصالح المكون التركماني.

قد يبقى العامل الاكثر واقعية للتركمان عمقهم القومي في الدول الاقليمية المتمثلة بالجمهورية التركية والتي أصبحت لها الدور المتزايد في سياستها الخارجية الاقليمية والدولية، والتي تؤكد دائما بأنها مع الحفاظ على حقوق المكون التركماني في العراق. ورغم ان هذه الورقة من المفترض ان تخدم مصالح التركمان، الا أننا نرى ان الأطراف في بغداد تجيد إستعمالها بشكل عكسي أفضل من التركمان لأجل التفاوض مع تركيا لحل الملفات العاقلة بين الدولتين مقابل منصب وزاري متاخر -عادة وزير الدولة- للتركمان بعد شهور مضنية تستهلك جهود كبيرة من السياسة التركمانية.

ختاما

لو اراد الأحزاب التركمانية المشاركة في الحكم وليس المشاركة في الحكومة فقط، عليهم ان يتصالحوا مع مجتمعهم أولاً، والعمل على تثقيفهم سياسياً، وإزالة مخاوفهم من المشاركة في العملية السياسية التي هي وريثة حزب البعث الديكتاتوري. وبذل قصارى جهدهم من أجل توحيد الخطاب التركماني. وان تعدد الأحزاب لاتكون ضاراً في جميع الأحوال، من الممكن الأستفادة في تنوعها مع تقاسم الأدوار، مع الأخذ بنظر الأعتبار الكثافة العددية، شريط ان يعمل الجميع باتجاه هدف موحد، يتم الأتفاق عليها في مؤتمر تركماني عام، يشارك فيها ممثلين من جميع المناطق التركمانية. والمحاولة الجادة من أجل المشاركة الفعالة في الأنتخابات العامة والمحلية –المرتقبة- لزيادة وجودهم من خلال زيادة عدد مقاعدهم، التي توازي نسبتهم الحقيقي في البلاد. والأستمرار في التفاوض واللقاءات مع القوى السياسية في بغداد. كذلك القاءات مع القوى الأقليمية والدولية المتنفذة في السياسة العراقية. وأستخدام الورقة التركية بشكل صحيح من خلال اخذ الدور الفعلي في تشكيل الجسر الرابط بين بغداد وأنقرة من أجل تحقيق نتائج مهمة في الملفات العالقة بين البلدين.

وان على القوى السياسية في بغداد أخذ مخاوف التركمان حول التهميش المتسمر بنظر الأعتبار ومنحهم تطمينات بأنهم جزء أساسي في بناء الوطن من خلال إعادة النظر في نسبة مشاركتهم في الدولة والعمل على زيادتها لتقابل وزنهم الحقيقي وتضحياتهم المستمرة منذ تأسيس الدولة العراقية. وهم لايطمحون أكثر من ان يفرضوا احترامھم و نیل حقوقھم مثل اي قومیة اخرى ووطن یعیش و یشارك فیھا الجمیع دون اقصاء او تھمیش. وبنيت السياسة التركمانية على امل بناء وطن ديمُقراطي حقيقي، ذو سيادة، تحكمها حكومة مركزية قوية، تحافظ على خصوصيات المكونات و تشاركهم في إدارة الدولة، وتوزع خيرات البلاد على أساس نظام عادل.

محمد تحسين كوك قايا.. طالب دكتوراه في قسم العلوم السياسية – جامعة مرمرة

m_gokkaya87@yahoo.com

أقرأ أيضا