صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

شعرة معاوية

قال معاوية بن أبي سفيان “لو كان بيني وبين أعدائي شعرة لما إنقطعت”. يعني بقوله هذا حين يشد الأعداء الشعرة فإنه يرخي شعرة العلاقة، وحين يرخي الأعداء الشعرة فإنه يشدها .. وهكذا يتعايش  مع الأعداء وتبقى الشعرة رخوة تارة ومشدودة تارة أخرى .. ولا تنقطع،  فسميت “شعرة معاوية” وكان بهذا يحافظ على حكمه وبلاده ويعيش بسلام متمتعا بزوجته ميسون تارة وبزوجته فاخته تارة أخرى، وحين إشتهى زوجة ثالثة، وكان قد  شاهد صبية جميلة أثارت مشتهاه، وقرر أن يقترن بها، فطلب من زوجته فاخته أن تأخذها إلى الحمام وتفحص جسمها لتتأكد من سلامته. عادت له فاخته تصف له جمالها وجمال جسدها، وقالت له ليس مثلها إمرأة في الكون، ولكني وجدت شامة على بعد أربعة أصابع من سرتها في جهة اليسار .. وأين المشكلة سألها معاوية ، قالت: “المرأة التي توجد شامة على مسافة من  يسار سرتها، فإن زوجها يقتل  أو يموت في حضنها بعد أربعة عشر يوما من زواجه، فخاف معاوية أن يخسر سلطته وحكمه وعزف عن الإقتران بها!

لم يكن أعداء معاوية في ذلك الوقت يمتلكون صواريخ عابرة للقارات ولم يكن الهاتف النقال بحوزة أعدائه ولا توجد مواقع للتواصل الإجتماعي، كما لا يوجد جيران يغلقون مضيق هرمز ويحولون دون عبور ناقلات النفط، ولا يوجد نفط أصلا .. كما لا يملك أعداء معاوية حاملة الطائرات العملاقة ولا تتوفر لديهم غواصات تخترق جوف مياه البحر، ولم تكن ثمة أمم متحدة ولا مجلس أمن يصدر قرارات إيداع واردات النفط في المصارف الأمريكية، ويعطونه “الراشن” الشهري على قدر الحاجة، وأن أزعجهم بصاروخ فلت من قاعدة متحركة لإطلاق الصواريخ من قبل مليشيا حزبية، هددوا بإيقاف صرف “الراشن” الشهري!

كان أعداء معاوية جل ما  يملكون، ترسانة من سيوف صدئة تحتاج إلى حدادين لسنها، فمن السهولة أن يشد الشعرة ويرخيها بينه وبينهم حسب مقتضيات الضرورة!

يتحدثون اليوم  عن السياسة ويضربون بشعرة معاوية مثلا، وينسبون إليه الدهاء. متناسين بأن المثل يقال ولا يقاس أو كما يعبر الألمان “المثل أعرج” .. فأعداء اليوم ليسوا أعداء الزمان الذي مضى، قبل أكثر من ألف عام .. اليوم الأعداء مدججون بالخباثة والصواريخ بالرؤوس النووية تسيرها الهواتف النقالة .. ولم تعد السياسة تتمثل بشعرة معاوية .. فلو كانت العلاقة بيننا وبين أعدائنا كابلات من تلك التي تحمل الحزم الضوئية تحت البحار لتقطعت أوصالا وتهشمت، فمن يا ترى من شعوب العالم ومثل شعبنا  عانى من  تسميم مياه الأهوار، وجمع مجرمي البشرية تحت غطاء داعش لإحتلال الموصل الحدباء وتطويق بغداد، وإستشهاد ألف ومائتين وخمسين شابا بعمر الورد في مجزرة سبايكر ومثلهم في سجن بادوش وإحراق  هامات نخيلنا على ضفاف الشاطئ العربي وتجفيف مياه أهوارنا وتلويث سمواتنا بالفيروسات التي تسبب أوراماً سرطانيا في أرحام نسائنا، وسرقة آثارنا ونشر الخرافات عبر أثيرنا وإرتهان وطننا لأجيال قادمة تحت رحمة المصارف الدولية ..

لم تعد بلادنا قادرة على مواجهة الأعداء بشخص واحد رئيسا للوزراء. نحن بحاجة إلى حزمة من عباقرة السياسة والإقتصاد وعباقرة الإعلام وعباقرة الثقافة وعباقرة الأمن وقيادة لجيش من صفوة أبناء العراق .. حكومة قوامها وطنيون وعشاق يعيدون الإعتبار للشخصية العراقية وينصبون جدارية سوداء تسجل فيها أسماء اللصوص الذين نهبوا مال العراق من الفلس حتى المليار .. جدارية سوداء يرجمها الآتون بالحجارة والجمرات، حزمة من العباقرة يجيدون لغتهم العربية في الأقل، ويعرفون عظمة تاريخهم.

 وسوى ذلك ليس سوى محض أفتراء.

الصبية الجميلة التي ليس مثلها في الكون، وعلى جهة اليسار من سرتها شامة سوداء، إقترن بها عاشق ولهان من بلاد ما بين النهرين، وبعد أربعة عشر يوما من ليلة الزفاف وجد مقتولا بحضنها .. في ساحة التحرير!

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا

أقرأ أيضا