نشر أحد المدونين خبراً على صفحة يديرها، بأن الرئيس الأميركي ترامب اتصل هاتفياً برئيس وزرائنا العبادي، وأبلغه بان الطائرات الاميركية قد تستخدم الأجواء العراقية لتوجيه ضربة الى سوريا.
لا يهمني إن كان الخبر صحيحاً او تلفيقاً، وأرجح أن المدّون نقله من وكالات أنباء غربية تعمل على صناعة الأخبار على هواها واتجاهاتها، وربما لغرض الإثارة.
المهم هو ردود أفعال القراء التي تؤشر، الى حد بعيد، الى رؤية المواطن البسيط الى السلطة في بلاده ومدى ثقته فيها وعلى قدرتها في أن تكون لاعباً في أزمات المنطقة، بدلاً من أن تكون أداة تنفيذية بيد لاعبين أساسيين في صناعة تلك الأزمات وإدارتها !
من قراءة سيكولوجية لردود الأفعال تلك تستطيع أن تستنتج، إن صورة السلطة في البلاد في ذهن المواطن، هي سلطة تنفيذية لإرادات الآخرين، وأنها بلا حول ولا قوة أمام الأقوياء الذين يرسمون الآن الخارطة الجديدة للمنطقة والشرق الأوسط عموماً.
سأنقل لكم بعضاً من تلك التعليقات بعد تحسينها حتى تكون مفهومة، لأنها كثيرة الأخطاء اللغوية والنحوية ما يدل على مستويات هذا الجمهور، وهو الجمهور الأغلب والعم في البلاد بوجود خمسة ملايين أمي في البلاد لا يجيدون كتابة جملة صحيحة.
أحدهم علّق موجهاً كلامه الى ترامب “مرخوص حبيبي هذا بيتك اصلا احنه المفروض نترخص منك لان طولنه بي”!
وهذا لإحساس هو نوع من أنواع الاستلاب القائم على فقدان الشعور بالصلة في المكان، الذي هو الوطن في حالتنا هذه!
الآخر علق موجهاً كلامه بالجمع، وليس بالمفرد الى ترامب شخصيا “براحتهم عيوني ليش احنة النه رأي حتى نحجي احنة ناس اغراب بهاي الكاع وخلف لله على امريكا عايفتنه بيهه”.!
ويعطينا هذا التعليق مؤشرا ليس على الاستلاب المكاني فقط وإنما الى فقدان الثقة بالسلطة التي تبدو من وجهة نظره عاجزة عن أن تحترم رأي الشعب، والشعور الاغترابي بان هذه السلطة لاتمثله بما إن لارأي له.
“البيت بيتك. ونحن الضيوف حجي ترامب”.. “ههههههه انتم بكيفكم اخذو راحتكم”.. وربما كان أقسى تعليق ساخر ومختصر ومعبر عن صورة السلطة في عينيه هو ما قال احدهم معلقا “هههههههههه، يستأذن”.. ويستأذن جاءت بصيغة التعجب والاستفسار والاستهجان والاستغراب، من إنه كيف لترامب أن يستأذن من العبادي أو عملياً، كيف لأميركا أن تستأذن من العراق في قضية تخص العراق.
وقمة السخرية السوداء كما تقال في المسرح أو الكوميديا على وجه الدقة، أن قال أحد المعلقين “أصلا ما يحتاج تصرف رصيد وتخابر بس ابعث رساله على الفايبر”.. أراد هذا المواطن العراقي أن يقول، إن مثل هذه الامور محسومة، ولا تحتاج الى مثل هذا الجهد والحوار بشأنها، يكفي الابلاغ عنها برسالة إلكترونية “وأبوك الله يرحمه”!!
وبتعبير محزن عن عجز العبادي كممثل لسلطة في أن يرفض طلباً أو أمراً، يقول معلق آخر مع ضحكة طويلة عريضة، ساخرا حتى من العبادي نفسه كشخص، انقلها كما هي من باب الأمانة “هههههههه وشحده ابو كرعه يكول لا”.. وأكد الفكرة نفسا معلقا آخر بالقول ” ابو يسر لاحول له ولاقوه”..!
تعليق آخر أكد الخبر المنشور في الصفحة إن ترامب وجه أوامره وليس “ابلاغاته” فقال “صح كال غصبن عن الخلفوك نستخدم اجوائكم وتوكف طيرانك”..!
واختتم التعليقات باكثرها عمقا عندما يؤكد المعلق إن هذا العجز السياسي والضعف لايخصان السلطة فقط وإنما القوى السياسية والشعب معا، فقد جاء التعليق بصيغة الجمع، وهو جمع يشملنا جميعاً فقال المواطن العراقي البسيط “لامنقبل والله فلا تحتاج موافقه طب واطلع بكيفك محد يكلك وين تريد”..!!
ولو نقلت الخبر على صيغته الإبلاغية الى صفحات أخرى، أستطيع أن أجزم بأن غالبية الإجابات لن تخرج عن هذا الجو العام في شكل وصورة السلطة في عقل ووعي المواطن البسيط، وما يؤكد قناعتي هذا، إن نقاشاً جرى على أحدى الفضائيات حول قدرة السلطة العراقية والاحزاب السياسية على النأي بالنفس عن هذه الأزمة، وأن يكون للعراق موقفه المستقل عنها، أجاب أحد المحللين السياسيين “لا أحد يستطيع أن يمنع الأميركان من إستخدام الاجواء العرقية إذا أرادت ذلك، لكنها لن تفعل لإعتبارات لاعلاقة لها برفضنا وقبولنا “!! والسلام عليكم..